وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْكُرْهِ الضَّغْطَ وَالْإِلْجَاءَ كَمَا فَسَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَهُوَ بَعِيدٌ عَنِ الْغَرَضِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَالظِّلَالُ: جَمْعُ ظِلٍّ، وَهُوَ صُورَةُ الْجِسْمِ الْمُنْعَكِسِ إِلَيْهِ نُورٌ.
وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَخْصُوصٌ بِالصَّالِحِ لَهُ مِنَ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ ذَاتِ الظِّلِّ تَخْصِيصًا بِالْعَقْلِ وَالْعَادَةِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَنْ، أَيْ يَسْجُدُ من فِي السَّمَوَات وَتَسْجُدُ ظِلَالُهُمْ.
وَالْغُدُوُّ: الزَّمَانُ الَّذِي يَغْدُو فِيهِ النَّاسُ، أَيْ يَخْرُجُونَ إِلَى حَوَائِجِهِمْ: إِمَّا مَصْدَرًا عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ وَقْتُ الْغُدُوِّ وَإِمَّا جَمْعُ غَدْوَةٍ، فَقَدْ حُكِيَ جَمْعُهَا عَلَى غُدُوٍّ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَالْآصَالُ: جَمْعُ أَصِيلٍ، وَهُوَ وَقْتُ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فِي آخِرِ الْمَسَاءِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِمَا اسْتِيعَابُ أَجْزَاءِ أَزْمِنَةِ الظِّلِّ.
وَمَعْنَى سُجُودِ الظِّلَالِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا مِنْ أَعْرَاضِ الْأَجْسَامِ الْأَرْضِيَّةِ، فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِنِظَامِ انْعِكَاسِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا وَانْتِهَاءِ الْأَشِعَّةِ إِلَى صَلَابَةِ وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى تَكُونَ
الظِّلَالُ وَاقِعَةً عَلَى الْأَرْضِ وُقُوعَ السَّاجِدِ، فَإِذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَأْبَى السُّجُودَ لِلَّهِ أَوْ يَتْرُكُهُ اشْتِغَالًا عَنْهُ بِالسُّجُودِ لِلْأَصْنَامِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ مِثَالَهُ شَاهِدًا عَلَى اسْتِحْقَاقِ اللَّهِ السُّجُودَ إِلَيْهِ شَهَادَةً رَمْزِيَّةً. وَلَوْ جَعَلَ اللَّهُ الشَّمْسَ شَمْسَيْنِ مُتَقَابِلَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ لَانْعَدَمَتِ الظِّلَالُ، وَلَوْ جَعَلَ وَجْهَ الْأَرْضِ شَفَّافًا أَوْ لَامِعًا كَالْمَاءِ لَمْ يظْهر الظل عَلَيْهِ بَيِّنًا. فَهَذَا مِنْ رُمُوزِ الصَّنْعَةِ الَّتِي أَوْجَدَهَا اللَّهُ وَأَدَقَّهَا دِقَّةً بَدِيعَةً. وَجَعَلَ نِظَامَ الْمَوْجُودَاتِ الْأَرْضِيَّةِ مُهَيَّئَةً لَهَا فِي الْخِلْقَةِ لِحِكَمٍ مُجْتَمِعَةٍ، مِنْهَا: أَنْ تَكُونَ رُمُوزًا دَالَّةً عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ، وَعَلَى حَاجَةِ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ أَكْثَرَهَا فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ نَوْعَهُ مُخْتَصٌّ بِالْكُفْرَانِ دُونَ الْحَيَوَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute