وَلِكَوْنِ الِاسْتِفْهَامِ غَيْرَ حَقِيقِيٍّ جَاءَ جَوَابُهُ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَفْهِمِ. وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ أَسَالِيبِهِ، كَقَوْلِهِ: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ [سُورَة النَّبَأِ: ١- ٢] .
وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٢] .
وَإِعَادَةُ فِعْلِ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ فِي قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ الَّذِي هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ التَّفْرِيعِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ.
فَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٌ وَتَوْبِيخٌ وَتَسْفِيهٌ لِرَأْيِهِمْ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ الْمُسَلَّمِ. وَفِيهِ اسْتِدْلَالٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ أَهْلِيَّة أصنامهم للإهلية فَإِنَّ اتِّخَاذَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ عَنْهُ.
وَجُمْلَةُ لَا يَمْلِكُونَ صِفَةٌ لِ أَوْلِياءَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا تَنْبِيهُ السَّامِعِينَ لِلنَّظَرِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَدَبَّرُوا عَلِمُوهَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ كَانَتْ تِلْكَ صِفَتَهُ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِأَنْ يُعْبَدَ.
وَمَعْنَى الْمُلْكِ هُنَا الْقُدْرَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً فِي سُورَةِ الْعُقُودِ [٧٦] .
وَفِي الحَدِيث: «أَو أملك لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»
. وَعَطْفُ الضُّرِّ عَلَى النَّفْعِ اسْتِقْصَاءٌ فِي عَجْزِهِمْ لِأَنَّ شَأْنَ الضُّرِّ أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَأَسْهَلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute