للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُصَدِّقُ بِأَنْ لَا يُقَابِلَ مَنْ فَعَلَ مَعَه سيّئة بِمثلِهِ بَلْ يُقَابِلُ ذَلِكَ بِالْإِحْسَانِ، قَالَ تَعَالَى:

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [سُورَة فصلت: ٣٤] بِأَنْ يَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ وَيُعْطِيَ مَنْ حَرَمَهُ وَيَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَكَذَلِكَ بَين الْجَمَاعَات إِذْ لَمْ يُفْضِ إِلَى اسْتِمْرَارِ الضُّرِّ. قَالَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [سُورَة الْأَنْفَال: ٣] .

وَيُصَدِّقُ بِالْعُدُولِ عَنْ فِعْلِ السَّيِّئَةِ بَعْدَ الْعَزْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعُدُولَ حَسَنَةٌ دَرَأَتِ السيّئة المعزوم عَلَيْهِ.

قَالَ النبيء- عَلَيْهِ الصَّلَاة والسّلام-: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً»

. فقد جمع يَدْرَؤُنَ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَلِهَذَا لَمْ يُعَقَّبْ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ مُعَامَلَةُ الْمُسِيءِ بِالْإِحْسَانِ كَمَا أُتْبِعَ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [٣٤] . وَكَمَا فِي قَوْلِهِ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ [٩٦] .

وَجُمْلَةُ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ. وَدَلَّ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِمْ جَدِيرُونَ بِالْحُكْمِ الْوَارِدِ بَعْدَ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِأَجْلِ مَا وُصِفَ بِهِ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْصَافِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٥] .

ولَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جُمْلَةٌ خَبَرًا عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَقُدِّمَ الْمَجْرُورُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْقَصْرِ، أَيْ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ لَا لِلْمُتَّصِفِينَ بِأَضْدَادِ صِفَاتِهِمْ، فَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ.

وَالْعُقْبَى: الْعَاقِبَةُ، وَهِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُعَقِبُ، أَيْ يَقَعُ عَقِبَ شَيْءٍ آخَرَ. وَقَدِ اشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي آخِرَةِ الْخَيْرِ، قَالَ تَعَالَى: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [سُورَة الْقَصَص: ٨٣] . وَلِذَلِكَ

وَقَعَتْ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ ضِدِّهَا فِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [سُورَة غَافِر: ٥٢] .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ [سُورَة الرَّعْد: ٣٥] فَهُوَ مُشَاكَلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ السُّورَةِ