للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاخْتِيَارُ اسْمِ (الرَّحْمَنِ) مِنْ بَيْنِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِأَنَّ كُفْرَهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ أَشَدُّ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يكون الله رحمان. قَالَ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٦٠] ، فَأَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى كُفْرَيْنِ مِنْ كُفْرِهِمْ: جَحْدِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَجحد اسْم الرحمان وَلِأَنَّ لِهَذِهِ الصِّفَةِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ بِتَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وَتَأْيِيدِهِ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلنَّاسِ. وَقَدْ أَرَادُوا تَعْوِيضَهُ بِالْخَوَارِقِ الَّتِي لَا تُكْسِبُ هَدْيًا بِذَاتِهَا وَلَكِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ جَاءَ بِهَا.

قَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابَ الصُّلْح فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْكَاتِبِ «اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: مَا نَعْرِف الرحمان إِلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ، يَعْنِي مُسَيْلمَة،

فَقَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ»

. وَيُبْعِدُهُ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ قَالَ لَهُم النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ»

فَنَزَلَتْ.

وَقَدْ لُقِّنَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْطَالِ كُفْرِهِمُ الْمَحْكِيِّ إِبْطَالًا جَامِعًا بِأَنْ يَقُولَ: هُوَ رَبِّي،

فَضَمِيرُ هُوَ عَائِد إِلَى (الرحمان) بِاعْتِبَارِ الْمُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ، أَيِ الْمُسَمَّى هُوَ رَبِّي وَأَن الرحمان اسْمُهُ.

وَقَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِبْطَالٌ لِإِشْرَاكِهِمْ مَعَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ غَيْرَهُ. وَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَهُ، فَهُوَ احْتِرَاسٌ لِرَدِّ قَوْلِهِمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى رَبٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ رَبَّهُ اللَّهُ وَإِن ربه الرحمان، فَكَانَ قَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ دَالا على أَن الْمَدْعُو بالرحمان هُوَ الْمَدْعُو بالله إِذْ لَا إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد، فَلَيْسَ قَوْله: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِخْبَارا مِنْ جَانِبِ اللَّهِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاعْتِرَاضِ.