هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِشَارَةٌ إِلَى تَهَكُّمِهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ قُطِّعَتْ مَسَافَاتُ الْأَسْفَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [سُورَة الْأَنْعَام: ٩٤] .
وَجُمْلَةُ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً عَطْفٌ عَلَى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً بِحَرْفِ الْإِضْرَابِ، أَيْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْكُتُبِ بَلْ لِلَّهِ أَمْرُ كُلِّ مُحْدَثٍ فَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَهُوَ الَّذِي يَخْلُقُ الْعَجَائِبَ إِنْ شَاءَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عِنْدَ سُؤَالِكُمْ، فَأمر الله نبيئه بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ إِجْرَاءً لِكَلَامِهِمْ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، لِأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِمَا قَالُوهُ إِلَّا التَّهَكُّمَ، فَحُمِلَ كَلَامُهُمْ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى بِهِمْ أَنْ يَنْظُرُوا هَلْ كَانَ فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ قُرْآنٌ يَتَأَتَّى بِهِ مِثْلَ مَا سَأَلُوهُ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَجَّاجِ لِلْقَبَعْثَرَى: لِأَحْمِلَنَّكَ عَلَى الْأَدْهَمِ (يُرِيدُ الْقَيْدَ) . فَأَجَابَهُ الْقَبَعْثَرَى بِأَنْ قَالَ: مِثْلُ الْأَمِيرِ يَحْمِلُ عَلَى الْأَدْهَمِ وَالْأَشْهَبِ، فَصَرَفَهُ إِلَى لَوْنِ فَرَسٍ.
وَالْأَمْرُ هُنَا: التَّصَرُّفُ التَّكْوِينِيُّ، أَيْ لَيْسَ الْقُرْآنُ وَلَا غَيْرُهُ بِمُكَوِّنٍ شَيْئًا مِمَّا سَأَلْتُمْ بَلِ اللَّهُ الَّذِي يُكَوِّنُ الْأَشْيَاءَ.
وَقَدْ أَفَادَتِ الْجُمْلَتَانِ الْمَعْطُوفَةُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا مَعْنَى الْقَصْرِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِ بَلْ مِنْ طُرُقِ الْقَصْرِ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: الْأَمْرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وجَمِيعاً تَأْكِيدٌ لَهُ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ لِأَنَّ الْقَصْرَ أُفِيدَ بِ بَلْ الْعَاطِفَةِ.
وَفُرِّعَ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً اسْتِفْهَامًا إِنْكَارِيًّا إنكارا لانْتِفَاء يأسي الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ فَهُمْ حَقِيقُونَ بِزَوَالِ يَأْسِهِمْ وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا.
وَفِي هَذَا الْكَلَامِ زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ [سُورَة الرَّعْد: ٢٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute