للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَيْسَ الِاسْتِفْهَامِ اسْتِفْهَامًا عَلَى التَّفْرِيعِ، وَذَلِكَ هُوَ الْوَجْهُ فِي وُقُوعِ حُرُوفِ الْعَطْفِ الثَّلَاثَةِ الْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ بَعْدَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ رَأْيُ الْمُحَقِّقِينَ، خِلَافًا لِمَنْ يَجْعَلُونَ الِاسْتِفْهَامَ وَارِدًا عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ وَمَا عَطَفَهُ.

فَالْفَاءُ تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [الرَّعْد: ٣٠] الْمُجَابِ بِهِ حِكَايَةُ كَفْرِهِمُ الْمُضَمَّنِ فِي جُمْلَةِ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ [الرَّعْد: ٣٠] ،

فَالتَّفْرِيعُ فِي الْمَعْنَى عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ: كفرهم بِاللَّه، وَإِيمَانِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى جُمْلَةِ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ [الرَّعْد: ٣١] ، فَيَكُونُ تَرَقِّيًا فِي إِنْكَارِ سُؤَالِهِمْ إِتْيَانَ مُعْجِزَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ، أَيْ إِنْ تَعْجَبْ مِنْ إِنْكَارِهِمْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ أَعْجَبَ مِنْهُ جَعْلُهُمُ الْقَائِمَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ مُمَاثِلًا لِمَنْ جَعَلُوهُمْ لِلَّهِ شُرَكَاءَ.

وَاعْتُرِضَ أَثَرَ ذَلِكَ بِرَدِّ سُؤَالِهِمْ أَنْ تُسَيَّرَ الْجِبَالُ أَوْ تُقَطَّعَ الْأَرْضُ أَوْ تُكَلَّمَ الْمَوْتَى، وَتَذْكِيرُهُمْ بِمَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مَعَ إِدْمَاجِ تَسْلِيَةِ الرَّسُولِ- عَلَيْهِ الصَّلَاة والسّلام-، ثمَّ فُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ.

وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَصْوِير نظم الْآيَةِ مَحَامِلُ مُخْتَلِفَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَمَرْجِعُ الْمُتَّجَهِ مِنْهَا إِلَى أَنَّ فِي النَّظْمِ حَذْفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِيهِ، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِيَاقُ. وَالْوَجْهُ فِي بَيَانِ النَّظْمِ أَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى مَجْمُوعِ قَوْلِهِ: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ أَيْ أَن كفرهم بالرحمان وَإِيمَانَكَ بِأَنَّهُ رَبُّكَ الْمَقْصُورَةَ عَلَيْهِ الرُّبُوبِيَّةُ يَتَفَرَّعُ عَلَى مَجْمُوعِ ذَلِكَ اسْتِفْهَامُهُمُ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ عَلَيْهِمْ تَسْوِيَتَهُمْ مَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَنْ لَيْسَ مِثْلُهُ مَنْ جَعَلُوهُمْ لَهُ شُرَكَاءَ، أَيْ كَيْفَ يُشْرِكُونَهُمْ وَهُمْ لَيْسُوا سَوَاءً مَعَ الله.

وَمَا صدق فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ هُوَ اللَّهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ الْخَالِقُ الْمُدَبِّرُ.