أَوْ مِنْ قائِمٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَامُ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ قِيَامًا مُلَابِسًا لِمَا عَمِلَتْهُ كُلُّ نَفْسٍ، أَيْ قِيَامًا وِفَاقًا لِأَعْمَالِهَا مِنْ عَمَلِ خَيْرٍ يَقْتَضِي الْقِيَامَ عَلَيْهَا بِاللُّطْفِ وَالرِّضَى فَتَظْهَرُ آثَارُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [سُورَة النَّحْل: ٩٧] ، وَقَالَ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [سُورَة النُّور: ٥٥] أَوْ مِنْ عَمَلِ شَرٍّ يَقْتَضِي قِيَامَهُ عَلَى النَّفْسِ بِالْغَضَبِ وَالْبَلَايَا. فَفِي هَذِهِ الصِّلَةِ بِعُمُومِهَا تَبْشِيرٌ وَتَهْدِيدٌ لِمَنْ تَأْمَّلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ. فَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْأَمْرَيْنِ لِلْفَرِيقَيْنِ أَفَادَتْهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ.
وَجُمْلَةُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ وَالْحَالُ جَعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ.
وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِتْيَان بضمير فَمَنْ هُوَ قائِمٌ. وَفَائِدَةُ هَذَا الْإِظْهَارِ التَّعْبِيرُ عَنِ الْمُسَمَّى بِاسْمِهِ الْعَلَمِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ إِذْ كَانَ قَدْ وَقَعَ الْإِيفَاءُ بِحَقِّ الْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى الْمَوْصُولِ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ فَتَهَيَّأَ الْمَقَامُ لِلِاسْمِ الْعَلَمِ، وَلِيَكُونَ تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنَ الْمَوْصُولِ السَّابِقِ زِيَادَةً فِي التَّصْرِيحِ بِالْحُجَّةِ.
وَجُمْلَةُ قُلْ سَمُّوهُمْ اسْتِئْنَافٌ أُعِيدَ مَعَهَا الْأَمْرُ بِالْقَوْلِ لِاسْتِرْعَاءِ الْأَفْهَامِ لِوَعْيِ مَا سَيُذْكَرُ. وَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، أَعْنِي جُمْلَةَ سَمُّوهُمْ، وَقَدْ تَضَمَّنَتْ رَدًّا عَلَيْهِمْ. فَالْمَعْنَى:
سَمُّوهُمْ شُرَكَاءَ فَلَيْسَ لَهُمْ حَظٌّ إِلَّا التَّسْمِيَةُ، أَيْ دُونَ مُسَمَّى الشَّرِيكِ، فَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْإِبَاحَةِ كِنَايَةً عَنْ قلَّة المبالاة بادعائهم أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مِثْلَ قُلْ كُونُوا حِجارَةً [سُورَة
الْإِسْرَاء: ٥٠] ، وَكَمَا تَقول للَّذي يخطىء فِي كَلَامِهِ: قُلْ مَا شِئْتَ. وَالْمَعْنَى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا لَا مُسَمَّيَاتِ لَهَا بِوَصْفِ الْإِلَهِيَّةِ لِأَنَّهَا حِجَارَةٌ لَا صِفَاتِ لَهَا مِنْ صِفَاتِ التَّصَرُّفِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute