قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ
أُمِرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْلِنَ لِلْفَرِيقَيْنِ بِأَنَّهُ مَا أُمِرَ إِلَّا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [سُورَة آل عمرَان: ٦٤] ، فَمَنْ فَرِحَ بِالْقُرْآنِ فَلْيَزْدَدْ فَرَحًا وَمَنْ أَنْكَرَ بَعْضَهُ فَلْيَأْخُذْ بِمَا لَا يُنْكِرُهُ وَهُوَ عَدَمُ الْإِشْرَاكِ. وَقَدْ كَانَ النَّصَارَى يتبرؤون مِنَ الشِّرْكِ وَيَعُدُّونَ اعْتِقَادَ بُنُوَّةِ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- غَيْرَ شِرْكٍ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُجَارَاةِ الْخَصْمِ وَاسْتِنْزَالِ طَائِرِ نَفْسِهِ كَيْلَا يَنْفِرَ مِنَ النَّظَرِ. وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَظْهَرُ مَوْقِعَ جُمْلَةِ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ بَعْدَ جُمْلَةِ وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ وَأَنَّهَا جَوَابٌ لِلْفَرِيقَيْنِ.
وَأَفَادَتْ إِنَّما أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ إِلَّا بِأَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا يُشْرِكَ بِهِ، أَيْ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ، فَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَجْمُوعَ شَيْئَيْنِ: عِبَادَةَ اللَّهِ، وَعَدَمَ الْإِشْرَاكِ بِهِ فِي ذَلِكَ آلَ الْمَعْنَى: أَنِّي مَا أُمِرْتُ إِلَّا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ.
وَمِنْ بَلَاغَةِ الْجَدَلِ الْقُرْآنِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ بَلْ أَتَى بِهِ مُتَدَرِّجًا فِيهِ فَقَالَ: أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ لِأَنَّهُ لَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ وَلا أُشْرِكَ بِهِ لِإِبْطَالِ إِشْرَاكِ الْمُشْرِكِينَ وَلِلتَّعْرِيضِ بِإِبْطَالِ إِلَهِيَّةِ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَنَّ ادِّعَاءَ بُنُوَّتِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَؤُولُ إِلَى الْإِشْرَاكِ.
وَجُمْلَة إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ، أَيْ أَنْ أَعْبُدَهُ وَأَنْ أَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَمُرَ بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ اسْتُفِيدَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute