وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: كَفَى اللَّهُ. وشَهِيداً حَالٌ لَازِمَةٌ أَوْ تَمْيِيزٌ، أَيْ كَفَى اللَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّاهِدِ.
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ.
وَالْمَوْصُولُ فِي وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ جِنْسُ مَنْ يَتَّصِفُ بِالصِّلَةِ.
وَالْمَعْنَى: وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُمْ عِلْمُ الْكِتَابِ. وَإِفْرَادُ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عِنْدَ لِمُرَاعَاةِ لَفْظِ مَنْ. وَتَعْرِيفُ الْكِتابِ تَعْرِيفٌ لِلْعَهْدِ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ، أَيْ وَشَهَادَةُ عُلَمَاءِ الْكِتَابِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَسْتَظْهِرُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِمَجِيءِ النَّبِيءِ الْمُصَدِّقِ لِلتَّوْرَاةِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ مُعَيَّنًا، فَهُوَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ إِذْ عَلِمَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّهُ شَهِدَ بِأَنَّ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى-
عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَمَا فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ فِي الصَّحِيحِ. وَكَانَ وَرَقَةُ مُنْفَرِدًا بِمَعْرِفَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَقَدْ كَانَ خبر قَوْله للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَهُ مَعْرُوفًا عِنْدَ قُرَيْشٍ.
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْكِتابِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُنْحَصِرِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ الَّذِي آمَنَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.
وَيُبْعِدُهُ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَوَجْهُ شَهَادَةِ عُلَمَاءِ الْكِتَابِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِجْدَانُهُمُ الْبِشَارَةَ بِنَبِيءٍ خَاتَمٍ لِلرُّسُلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوِجْدَانُهُمْ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مُوَافِقًا لِسُنَنِ الشَّرَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ وَمُفَسِّرًا لِلرُّمُوزِ الْوَارِدَةِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فِي صِفَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَدَّقِ الْمَوْعُودِ بِهِ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ التَّعْبِيرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ
دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ تَطْبِيقَ ذَلِكَ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا عُلَمَاؤُهُمْ. قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [سُورَة الشُّعَرَاء: ٩٧] .