بِالَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ الأَرْض. وَهَذَا الْحَذْفُ جَارٍ عَلَى حَذْفِ الْمسند إِلَيْهِ الْمُسَمّى عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي تَبَعًا لِلسَّكَّاكِيِّ بِالْحَذْفِ لِمُتَابَعَةِ الِاسْتِعْمَالِ، أَيِ اسْتِعْمَال الْعَرَب عِنْد مَا يَجْرِي ذِكْرُ مَوْصُوفٍ بِصِفَاتٍ أَنْ يَنْتَقِلُوا مِنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِيَكْسِبَ ذَلِكَ الِانْتِقَالُ تَقْرِيرًا لِلْغَرَضِ، كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ الصُّولِيِّ:
سَأَشْكُرُ عَمْرًا إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي ... أَيَادِيَ لَمْ تُمْنَنْ وَإِنْ هِيَ جَلَّتِ
فَتًى غَيْرُ مَحْجُوبِ الْغِنَى عَنْ صَدِيقِهِ ... وَلَا مُظْهِرُ الشَّكْوَى إِذَا النَّعْلُ زَلَّتِ
أَيْ هُوَ فَتًى مِنْ صِفَتِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ.
وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ إِلَّا رُوَيْسًا عَنْ يَعْقُوبَ- بِالْجَرِّ- عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنَ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ. وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ وَكِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ تفِيد أَن الْمُنْتَقل إِلَيْهِ أَجْدَرُ بِالذِّكْرِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَهُ، فَإِنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ أَعْظَمُ مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ لِأَنَّهُ عِلْمُ الذَّاتِ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ مَوْجُودٌ فِي إِطْلَاقِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ الْمَنْقُولِ مِنْهُ إِلَى الْعِلْمِيَّةِ إِلَّا أَنَّ الرَّفْعَ أَقْوَى وَأَفْخَمُ.
وَقَرَأَهُ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ- بِالرَّفْعِ- إِذَا وُقِفَ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَمِيدِ وَابْتُدِئَ بَاسِمِ اللَّهِ، فَإِذَا وُصِلَ الْحَمِيدِ بَاسِمِ اللَّهِ جُرَّ اسْمُ الْجَلَالَةِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ.
وَإِجْرَاءُ الْوَصْفِ بِالْمَوْصُولِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ لِزِيَادَةِ التَّفْخِيمِ لَا لِلتَّعْرِيفِ، لِأَنَّ مَلِكَ سَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ صِفَةٌ عَظِيمَةٌ وَاللَّهُ مَعْرُوفٌ بِهَا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ صِرَاطَ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ طُرُقِ آلِهَتِهِمْ لَيْسَ بِوَاصِلٍ إِلَى الْمَقْصُودِ لِنُقْصَانِ ذَوِيهِ. وَفِي ذِكْرِ هَذِهِ الصِّلَةِ إِدْمَاجُ تَعْرِيضٍ بِالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَا لَيْسَ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute