للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُنْكِرُ رِسَالَةَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي التَّكْذِيبِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتَضِي ذَلِكَ التَّنْزِيلَ، لِأَنَّ مَا جَازَ عَلَى الْمِثْلِ يَجُوزُ عَلَى الْمُمَاثِلِ، عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ.

وَالْبَاءُ فِي بِآياتِنا لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ إِرْسَالًا مُصَاحِبًا لِلْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ فِي رِسَالَتِهِ، كَمَا أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَاحِبًا لِآيَةِ الْقُرْآنِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَقَدْ تَمَّ التَّنْظِيرُ وَانْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُنْكِرِينَ.

وأَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ، فَسَّرَ الْإِرْسَالَ بِجُمْلَةِ «أَخْرِجْ قَوْمَكَ» الْخَ، وَالْإِرْسَالُ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ فَكَانَ حَقِيقًا بِمَوْقِعِ أَنْ التَّفْسِيرِيَّةِ.

والظُّلُماتِ مُسْتَعَارٌ لِلشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي، والنُّورِ مُسْتَعَارٌ لِلْإِيمَانِ الْحَقِّ وَالتَّقْوَى، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فِي مِصْرَ بَعْدَ وَفَاةِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-

سَرَى إِلَيْهِمُ الشِّرْكُ وَاتَّبَعُوا دِينَ الْقِبْطِ، فَكَانَتْ رِسَالَةُ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِإِصْلَاحِ اعْتِقَادِهِمْ مَعَ دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْوَاحِد، وَكَانَت آئلة إِلَى إِخْرَاجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ وَإِدْخَالِهِمْ فِي حَظِيرَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ.

وَالتَّذْكِيرُ: إِزَالَةُ نِسْيَانِ شَيْءٍ. وَيُسْتَعْمَلُ فِي تَعْلِيمِ مَجْهُولٍ كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يُعْلَمَ. وَلَمَّا ضُمِّنَ التَّذْكِيرُ مَعْنَى الْإِنْذَارِ وَالْوَعْظِ عُدِّيَ بِالْبَاءِ، أَيْ ذَكِّرْهُمْ تَذْكِيرَ عِظَةٍ بأيام الله.

وبِأَيَّامِ اللَّهِ أَيَّامَ ظُهُورِ بَطْشِهِ وَغَلْبِهِ مَنْ عَصَوْا أَمْرَهُ، وَتَأْيِيدِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ عِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَشَاعَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْيَوْمِ مُضَافًا إِلَى اسْمِ شَخْصٍ أَوْ قَبِيلَةٍ عَلَى يَوْمٍ انْتَصَرَ فِيهِ مُسَمَّى الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى عَدُوِّهِ، يُقَالُ: أَيَّامُ تَمِيمٍ، أَيْ أَيَّامُ انْتِصَارِهِمْ، فَأَيَّامُ اللَّهِ أَيَّامُ ظُهُورِ قُدْرَتِهِ وَإِهْلَاكِهِ الْكَافِرِينَ بِهِ وَنَصْرِهِ أَوْلِيَاءَهُ وَالْمُطِيعِينَ لَهُ.