وَالصَّدِيدُ: الْمُهْلَةُ، أَيْ مِثْلُ الْمَاءِ يَسِيلُ مِنَ الدُّمَّلِ وَنَحْوِهِ، وَجَعَلَ الصَّدِيدَ مَاءً عَلَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ فِي الْإِسْقَاءِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمَاءِ أَنْ يُسْقَى. وَالْمَعْنَى: وَيُسْقَى صَدِيدًا عِوَضَ الْمَاءِ إِنْ طَلَبَ الْإِسْقَاءَ، وَلذَلِك جعل صَدِيدٍ عَطْفَ بَيَانٍ لِ ماءٍ. وَهَذَا مِنْ وُجُوهِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ.
وَعَطْفُ جُمْلَةِ يُسْقى عَلَى جُمْلَةِ مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ لِأَنَّ السَّقْيَ مِنَ الصَّدِيدِ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ.
وَالتَّجَرُّعُ: تَكَلُّفُ الْجَرْعِ، وَالْجَرْعِ بَلْعُ الْمَاءِ.
وَمَعْنَى يُسِيغُهُ يَفْعَلُ سَوْغَهُ فِي حَلْقِهِ. وَالسَّوْغُ انْحِدَارُ الشَّرَابِ فِي الْحَلْقِ بِدُونِ غُصَّةٍ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّرَابُ غَيْرَ كَرِيهِ الطَّعْمِ وَلَا الرِّيحِ، يُقَالُ سَاغَ الشَّرَابُ، وَشَرَابٌ سَائِغٌ. وَمَعْنَى لَا يَكادُ يُسِيغُهُ لَا يُقَارِبُ أَنْ يُسِيغَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُسِيغَهُ بِالْفِعْلِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧١] .
وَإِتْيَانُ الْمَوْتِ: حُلُولُهُ، أَيْ حُلُولُ آلَامِهِ وَسَكَرَاتِهِ، قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
مَتَى يَأْتِ هَذَا الْمَوْت لَا يلف حَاجَةٌ ... لِنَفْسِي إِلَّا قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءَهَا
بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، أَيْ فَيَسْتَرِيحُ.
وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ مِثْلُ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ، أَيْ يَنْتَظِرُهُ عَذَابٌ آخَرُ بَعْدَ الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.
وَالْغَلِيظُ: حَقِيقَتُهُ الْخَشِنُ الْجِسْمِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ بِجَامِعِ الْوَفْرَةِ فِي كُلٍّ، أَيْ عَذَابٌ لَيْسَ بِأَخَفِّ مِمَّا هُوَ فِيهِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فِي سُورَة هود [٥٨] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute