شَبِيهُ شَهَادَةِ أَلْسِنَتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَقَوْلها لَهُمْ: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ إِظْهَارًا لِلْحَقِيقَةِ وَتَسْجِيلًا عَلَى أَهْلِ الضَّلَالَةِ وَقَمْعًا لِسَفْسَطَتِهِمْ.
وَأَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ اسْتِقْصَاءً فِي الْإِبْلَاغِ لِيُحِيطَ النَّاسَ عِلْمًا بِكُلِّ مَا سَيَحِلُّ بِهِمْ، وَإِيقَاظًا لَهُمْ لِيَتَأَمَّلُوا الْحَقَائِقَ الْخَفِيَّةَ فَتُصْبِحَ بَيِّنَةً وَاضِحَةً. فَقَوْلُ الشَّيْطَانِ فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ إِبْطَالٌ لِإِفْرَادِهِ بِاللَّوْمِ أَوْ لِابْتِدَاءِ تَوْجِيهِ الْمُلَامِ إِلَيْهِ فِي حِينِ أَنَّهُمْ أَجْدَرُ بِاللَّوْمِ أَوْ بِابْتِدَاءِ تَوْجِيهِهِ.
وَأَمَّا وَقْعُ كَلَامِ الشَّيْطَانِ مِنْ نُفُوسِ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ فَهُوَ مُوقِعُ الْحَسْرَةِ مِنْ نُفُوسِهِمْ زِيَادَةً فِي عَذَابِ النَّفْسِ.
وَإِضَافَةُ وَعْدَ إِلَى الْحَقِّ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ مُبَالَغَةً فِي الِاتِّصَافِ، أَيِ الْوَعْدُ الْحَقُّ الَّذِي لَا نَقْضَ لَهُ.
وَالْحَقُّ: هُنَا بِمَعْنَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ بِالْمَوْعُودِ بِهِ. وَضِدُّهُ: الْإِخْلَافُ، وَلِذَلِكَ قَالَ:
وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [سُورَة إِبْرَاهِيم: ٢٢] ، أَيْ كَذَبْتُ مَوْعِدِي. وَشَمَلَ وَعَدُ الْحَقِّ جَمِيعَ مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِالْقُرْآنِ عَلَى لِسَان رَسُوله- عَلَيْهِ الصَّلَاة والسّلام-. وَشَمَلَ الْخُلْفُ جَمِيعَ مَا كَانَ يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ أَوْلِيَائِهِ وَمَا يَعِدُهُمْ إِلَّا غُرُورًا.
وَالسُّلْطَانُ: اسْمُ مَصْدَرِ تَسَلَّطَ عَلَيْهِ، أَيْ غَلَبَهُ وَقَهَرَهُ، أَيْ لَمْ أَكُنْ مُجْبِرًا لَكُمْ عَلَى اتِّبَاعِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ مَا بَعْدَ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ. فَالْمَعْنَى: لَكِنِّي دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي.
وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ. وَالْمَقْصُودُ: لُومُوا أَنْفُسَكُمْ، أَيْ إِذْ قَبِلْتُمْ إِشَارَتِي وَدَعْوَتِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ صَدْرَ الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute