وَالْأَصْنَامُ: جَمْعُ صَنَمٍ، وَهُوَ صُورَةٌ أَوْ حِجَارَةٌ أَوْ بِنَاءٌ يُتَّخَذُ مَعْبُودًا وَيُدْعَى إِلَهًا.
وَأَرَادَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِثْلَ وَدٍّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ، أَصْنَامِ قَوْمِ نُوحٍ.
وَمِثْلَ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَبَدَهَا قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ.
وَإِعَادَةُ النِّدَاءِ فِي قَوْلِهِ: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لِإِنْشَاءِ التَّحَسُّرِ عَلَى ذَلِكَ.
وَجُمْلَةُ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ تَعْلِيلٌ لِلدَّعْوَةِ بِإِجْنَابِهِ عِبَادَتَهَا بِأَنَّهَا ضَلَالٌ رَاجَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، فَحَقٌّ لِلْمُؤْمِنَ الضَّنِينِ بِإِيمَانِهِ أَنْ يَخْشَى أَنْ تَجْتَرِفَهُ فِتْنَتُهَا، فَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِمَا يُفِيدُهُ حَرْفُ (إِنَّ) فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيلِ.
وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ إِنْكَارًا عَلَى عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، فَقَالَ: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [سُورَة الصافات: ٩٩] وَقَالَ لِقَوْمِهِ:
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [سُورَة مَرْيَم: ٤٨] . فَلَمَّا مَرَّ بِمِصْرَ وَجَدَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثُمَّ دَخَلَ فِلَسْطِينَ فَوَجَدَهُمْ عَبْدَةَ أَصْنَامٍ، ثُمَّ جَاءَ عَرَبَةَ تِهَامَةَ فَأَسْكَنَ بِهَا زَوْجَهُ فَوَجَدَهَا خَالِيَةً وَوَجَدَ حَوْلَهَا جُرْهُمَ قَوْمًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالسَّذَاجَةِ فَأَسْكَنَ بِهَا هَاجَرَ وَابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. ثُمَّ أَقَامَ هُنَالِكَ مَعْلَمَ التَّوْحِيدِ. وَهُوَ بَيْتُ اللَّهِ الْكَعْبَةُ بَنَاهُ هُوَ وَابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَأْوَى التَّوْحِيدِ، وَأَقَامَ ابْنُهُ هُنَالِكَ لِيَكُونَ دَاعِيَةً لِلتَّوْحِيدِ. فَلَا جَرَمَ سَأَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَلَدًا آمِنًا حَتَّى يَسْلَمَ سَاكِنُوهُ وَحَتَّى يَأْوِيَ إِلَيْهِمْ مَنْ إِذَا آوَى إِلَيْهِمْ لَقَّنُوهُ أُصُولَ التَّوْحِيدِ.
فَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، أَيْ فَمَنْ تَبِعَنِي مِنَ النَّاسِ فَتَجَنَّبَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ فَهُوَ مِنِّي، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ ذُرِّيَّتُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَصْلُحُ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنِّي اتِّصَالِيَّةٌ. وَأَصْلُهَا التَّبْعِيضُ الْمَجَازِيُّ، أَيْ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِي اتِّصَالَ الْبَعْضِ بِكُلِّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute