وَحُذِفُ مُتَعَلِّقُ زَوالٍ لِظُهُورِ الْمُرَادِ، قَالَ تَعَالَى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [سُورَة النَّحْل: ٣٨] .
وَجُمْلَةُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ أَقْسَمْتُمْ. وَلَيْسَتْ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ وَلذَلِك لم يسْرع فِيهَا طَرِيقُ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَمْ يَقُلْ: مَا لَنَا مِنْ زَوَالٍ، بَلْ جِيءَ بِضَمِيرِ الْخِطَابِ الْمُنَاسِبِ لِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ.
وَهَذَا الْقَسَمُ قد يكون صادر مِنْ جَمِيعِ الظَّالِمِينَ حِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ تَعَالِيمَ وَاحِدَةً فِي الشِّرْكِ يَتَلَقَّاهَا الْخَلَفُ عَنْ سَلَفِهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَادِرًا مِنْ مُعْظَمِ هَذِهِ الْأُمَمِ أَوْ بَعْضِهَا وَلَكِنَّ بَقِيَّتَهُمْ مُضْمِرُونَ لِمَعْنَى هَذَا الْقَسَمِ.
وَكَذَلِكَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ أُمَمِ الشِّرْكِ عَدَا الْأُمَّةِ الْأُولَى مِنْهُمْ. وَهَذَا مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْعَقْلِ إِذْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ الْأُولَى مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ لَمْ تَسْكُنْ فِي مَسَاكِنِ مُشْرِكِينَ.
وَالْمُرَادُ بِالسُّكْنَى: الْحُلُولُ، وَلِذَلِكَ عُدِّيَ بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ خِلَافًا لِأَصْلِ فِعْلِهِ الْمُتَعَدِّي
بِنَفْسِهِ. وَكَانَ الْعَرَبُ يَمُرُّونَ عَلَى دِيَارِ ثَمُودَ فِي رِحْلَتِهِمْ إِلَى الشَّامِ ويحطون الرّحال هُنَا لَك، وَيَمُرُّونَ عَلَى دِيَارِ عَادٍ فِي رِحْلَتِهِمْ إِلَى الْيَمَنِ.
وَتَبَيُّنُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ حَاصِلٌ مِنْ مُشَاهَدَةِ آثَارِ الْعَذَابِ مِنْ خَسْفٍ وَفَنَاءِ اسْتِئْصَالٍ.
وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ بِأَقْوَالِ الْمَوَاعِظِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، وَوَصْفِ الْأَحْوَالِ الْخَفِيَّةِ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُمْ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ بَيْنَ دَلَائِلِ الْآثَارِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَدَلَائِل الموعظة..
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute