حَرْفَيْنِ فَقِيلَ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ بَدَلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ فَارْهَبُونِ. وَالتَّعْلِيقُ عَلَى الشَّرْطِ الْعَامِّ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ وُقُوعِ الْجَوَابِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الشَّرْطِيَّ بِمَنْزِلَةِ رَبْطِ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ فَإِذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَمْرًا مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْحَدَثَانِ عَنْهُ تَعَيَّنَ تَحَقُّقُ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ يُخْتَارُ فِيهِمَا النَّصْبُ فِي الِاسْمِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِكَ زَيْدًا اضْرِبْهُ وَمِثْلَ ذَلِكَ أَمَّا زَيْدًا فَاقْتُلْهُ فَإِذَا قُلْتَ زَيْدٌ فَاضْرِبْهُ لَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ تَحَمِلَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ لَمْ يَسْتَقِمْ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْفَاءَ هُنَا فِي مَعْنَى فَاءِ الْجَزَاءِ فَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ هَاتِهِ الْفَاءَ مَهْمَا وُجِدَتْ فِي الِاشْتِغَالِ دَلَّتْ عَلَى شَرْطٍ عَامٍّ مَحْذُوفٍ وَإِنَّ الْفَاءَ كَانَتْ دَاخِلَةً عَلَى الِاسْمِ فَزُحْلِقَتْ عَلَى حُكْمِ فَاءِ جَوَابِ أَمَّا الشَّرْطِيَّةُ (١) وَأَحْسَبُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ مِنْ مُبْتَكَرِ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ وَلَمْ أَذْكُرْ أَنِّي عَثَرْتُ عَلَى مِثْلِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» الْمَبْنِيَّ عَلَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ مِنِ اعْتِبَارِ الْفَاءِ مُشْعِرَةً بِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَنَّ غَالِبَ مَوَاقِعِ هَاتِهِ الْفَاءِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَهَا الْمَفْعُولُ عَلَى مَدْخَلِهَا أَنْ تَقَعَ بَعْدَ نَهْيٍ أَوْ أَمْرٍ يُنَاقِضُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ الَّذِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفَاءُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ إِلَى قَوْلِهِ: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [الزمر: ٦٥، ٦٦] وَقَوْلِ الْأَعْشَى: «وَلَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ وَاللَّهَ فَاعْبُدَا» فَكَانَ مَا يَتَقَدَّمُ هَاتِهِ الْفَاءَ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ شَرْطٌ فِي الْمَعْنَى وَكَانَتِ الْفَاءُ مُؤْذِنَةً بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَعَلَامَةً عَلَيْهِ فَلِأَجْلِ كَوْنِهِ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِدَلِيلَيْنِ
أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَانَ كَالْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَفَإِنْ كُنْتَ عَابِدًا شَيْئًا فَاللَّهَ فَاعْبُدْ، وَكَذَا فِي الْبَيْتِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ لَمْ يُفْصِحْ عَنْهَا السَّلَفُ فَخُذْهَا وَلَا تَخَفْ.
(١) وَقيل إِن الْفَاء فِي مثل هَذَا عاطفة على مَحْذُوف، فَقَالَ السيرافي فِي «شرح الْكتاب» إِن الْفَاء تدل على فعل من شَأْنه أَن يكون سَببا فِيمَا دخلت عَلَيْهِ الْفَاء، فَفِي نَحْو زيدا فَاضْرب تأهب فَاضْرب زيدا أَو نَحوه فَلَمَّا حذف الْمَعْطُوف عَلَيْهِ قدم مَعْمُول الْفِعْل ليَكُون عوضا عَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ الْمَحْذُوف وَلأَجل كَون تَقْدِيمه لعِلَّة صَحَّ إِعْمَال مَا بعد الْفَاء فِيهِ كَمَا أعمل مَا بعد الْفَاء الْوَاقِعَة فِي جَوَاب أما فِيمَا قبلهَا لِأَنَّهُ قدم ليحل مَحل فعل الشَّرْط. وعَلى هَذَا القَوْل فالتقديم لَيْسَ لقصد تَخْصِيص وَلَا تقو. وَقَالَ صَاحب «الْمِفْتَاح» : الْفَاء عطفت الْفِعْل على فعل مثله للتقوي، وَالْمَفْعُول الْمَذْكُور مفعول الْفِعْل الْمَحْذُوف، وَالتَّقْدِير اضْرِب زيدا فَاضْرب، وَيرد هذَيْن أَن الْفَاء لَو كَانَت عاطفة لما اجْتمعت مَعَ حرف عطف فِي مَوَاضِع كَثِيرَة نَحْو وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: ٣، ٤] إِلَخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute