وَعُبِّرَ بِآلِ لُوطٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا فِي مَنْزِلَةٍ بَيْنَ أَهْلِهِ فَجَاءُوا آلَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْخِطَابِ وَالْمَجِيءِ هُوَ لُوطٌ.
وَتَوَلَّى لُوطٌ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَلَقِّيَهُمْ كَمَا هُوَ شَأْنُ كَبِيرِ الْمَنْزِلِ وَلَكِنَّهُ وَجَدَهُمْ فِي شَكْلٍ غَيْرِ مَعْرُوفٍ فِي الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَتْ تَمُرُّ بِهِمْ فَأُلْهِمَ إِلَى أَنَّ لَهُمْ قِصَّةً غَرِيبَةً وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ:
إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ، أَيْ لَا تُعْرَفُ قبيلتكم. وَتقدم عِنْد قَوْلُهُ تَعَالَى: نَكِرَهُمْ فِي سُورَةِ هُودٍ [٧٠] .
وَقَدْ أَجَابُوهُ بِمَا يُزِيلُ ذَلِكَ إِذْ قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ إِضْرَابًا عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ وَإِبْطَالًا لِمَا ظَنَّهُ مِنْ كَوْنِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفْ قَبِيلَتَهُمْ فَلَا يَأْمَنُهُمْ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِمَا يَضُرُّهُ.
وَعُبِّرَ عَنِ الْعَذَابِ بِ «مَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ» إِيمَاءً إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ وَهُوَ التَّعْذِيبُ، أَيْ بِالْأَمْرِ الَّذِي كَانَ قَوْمُكَ يَشُكُّونَ فِي حُلُولِهِ بِهِمْ وَهُوَ الْعَذَابُ، فَعَلِمَ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ.
وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْخَبَر الْحق، أَي الصدْق، وَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِجُمْلَةِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ.
وَقَوْلُهُ: قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ حِكَايَةً لِخِطَابِ الْمَلَائِكَةِ لُوطًا- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِمَعْنَى عِبَارَاتِهِمْ مُحَوَّلَةً إِلَى نَظْمٍ عَرَبِيٍّ يُفِيدُ مَعْنَى كَلَامِهِمْ فِي نَظْمٍ عَرَبِيٍّ بَلِيغٍ، فَبِنَا أَنَّ نُبَيِّنَ خَصَائِصَ هَذَا النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ:
فَإِعَادَةُ فِعْلِ أَتَيْناكَ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ مَعَ أَنَّ فِعْلَ أَتَيْناكَ مُرَادِفٌ لِفِعْلِ جِئْناكَ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وبِالْحَقِّ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ بِالْمُرَادِفِ. وَالتَّعْبِيرُ فِي أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ بِمَادَّةِ الْمَجِيءِ وَفِي الْفِعْلِ الْآخَرِ بِمَادَّةِ الْإِتْيَانِ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ لِدَفْعِ تَكْرَارِ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٣٣] : وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
. وَعَلَيْهِ تَكُونُ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ وَقَوْلِهِ: بِالْحَقِّ لِلْمُلَابَسَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute