للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى الْمُعْتَاضِ، وَالْمَتَاعُ الَّذِي يَأْخُذُونَهُ شُبِّهَ بِالثَّمَنِ فِي كَوْنِهِ شَيْئًا مَادِّيًّا يَنَالُهُ كُلُّ أَحَدٍ أَوْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ كُلًّا مِنَ الْآيَاتِ وَالثَّمَنِ أَمْرٌ هَيِّنٌ عَلَى فَرِيقٍ فَالْآيَاتُ هَانَتْ عَلَى الْأَحْبَارِ وَالْأَمْوَالُ هَانَتْ عَلَى الْعَامَّةِ وَخَصَّ الْهَيِّنَ حَقِيقَةً بِإِعْطَائِهِ اللَّفْظَ الْحَقِيقِيَّ الدَّالَّ عَلَى أَنَّهُ هَيِّنٌ وَأَمَّا الْهَيِّنُ صُورَةً فَقَدْ أَعْطَى الْبَاءَ الْمَجَازِيَّةَ وَكُلٌّ مِنَ الِاسْتِعَارَتَيْنِ قَرِينَةٌ عَلَى الْأُخْرَى، وَلِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِطْلَاقُ الثَّمَنِ عَلَى النَّقْدَيْنِ اخْتِيرَ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْخُذُونَهُ تَلْمِيحًا إِلَى أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الْمَالَ عَنْ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى [الْأَعْرَاف: ١٦٩] .

وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ ثَمَناً قَرِينَةُ الِاسْتِعَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَلا تَشْتَرُوا وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا أُدْخِلَتِ الْبَاءُ عَلَى الْآيَاتِ تَعَيَّنَ أَنَّ الْآيَاتِ هِيَ ثَمَنُ الِاشْتِرَاءِ فَلَمَّا عَبَّرَ بَعْدَهُ بِلَفْظِ ثَمَناً مَفْعُولًا لِفِعْلِ تَشْتَرُوا عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِثَمَنٍ حَقِيقِيٍّ فَعَلِمَ أَنَّ الِاشْتِرَاءَ مَجَازٌ ثُمَّ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالثَّمَنِ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا لَيْسَ بِثَمَنٍ حَقِيقِيٍّ تَبَعًا لِلْعِلْمِ بِالْمَجَازِ فِي الْفِعْلِ النَّاصِبِ لَهُ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ ثَمَناً تَجْرِيدٌ وَتَقْرِيرَهُ مِثْلُ تَقْرِيرِ كَوْنِهِ قَرِينَةً إِذَا جَعَلْنَا الْقَرِينَةَ قَوْلَهُ بِآياتِي. وَقِيلَ هُوَ تَرْشِيحٌ لِأَنَّ لَفْظَ الثَّمَنِ مِنْ مُلَائِمِ الشِّرَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي كَوْنِهِ اسْتِعَارَةً لِأَنَّ التَّرْشِيحَ فِي نَفْسِهِ قَدْ يَكُونُ اسْتِعَارَةً مِنْ مُلَائِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِمُلَائِمِ

الْمُشَبَّهِ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ كُلِّهَا هِيَ تَدُلُّ عَلَى تَجْهِيلِهِمْ وَتَقْرِيعِهِمْ. وَالْآيَاتُ لَا تُسْتَبْدَلُ ذَوَاتُهَا فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ أَيْ لَا تَشْتَرُوا بِقَبُولِ آيَاتِي ثَمَنًا.

وَإِضَافَةُ آيَاتٍ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِلتَّشْرِيفِ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ: عِظَمُ الْآيَاتِ بِشَيْئَيْنِ الْجَمْعُ وَالْإِضَافَةُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ وَحَقَّرَ الْعِوَضَ بِتَحْقِيرَيْنِ التَّنْكِيرُ وَالْوَصْفُ بِالْقِلَّةِ اهـ أَيْ وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِغَبْنِ صَفْقَتِهِمْ إِذِ اسْتَبْدَلُوا نَفِيسًا بِخَسِيسٍ وَأَقُولُ وَصْفُ قَلِيلًا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِأَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي تُبَاعُ بِهِ إِضَاعَةُ الْآيَاتِ هُوَ قَلِيلٌ وَلَوْ كَانَ أَعْظَمَ مُتَمَوِّلٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا أَضَاعَهُ آخِذُ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا الْمُرَادِ يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ.

وَقَدْ أُجْمِلَ الْعِوَضُ الَّذِي اسْتَبْدَلُوا بِهِ الْآيَاتِ فَلَمْ يُبَيَّنْ أَهُوَ الرِّئَاسَةُ أَوِ الرِّشَى الَّتِي يَأْخُذُونَهَا لِيَشْمَلَ ذَلِكَ اخْتِلَافَ أَحْوَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْمَقَاصِدِ الَّتِي تَصُدُّهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ عَلَى حسب اخْتِلَاف هَمهمْ.