للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَادَتِهِمْ الْحَمْلُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، فَإِنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ تُرْكَبُ لِلْغَزْوِ وَلِلصَّيْدِ، وَالْبِغَالُ تُرْكَبُ لِلْمَشْي وَالْغَزْوِ. وَالْحَمِيرُ تُرْكَبُ لِلتَّنَقُّلِ فِي الْقُرَى وَشِبْهِهَا.

وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّهُ قَالَ «جِئْتُ عَلَى حِمَارِ أَتَانٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ»

الْحَدِيثَ.

وَكَانَ أَبُو سَيَّارَةَ يُجِيزُ بِالنَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى حِمَارٍ وَقَالَ فِيهِ:

خَلُّوا السَّبِيلَ عَنْ أَبِي سَيَّارَهْ ... وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ

حَتَّى يُجِيزَ رَاكِبًا حِمَارَهْ ... مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ يَدْعُو جَارَهْ

فَلَا يَتَعَلَّقُ الِامْتِنَانُ بِنِعْمَةٍ غَيْرِ مُسْتَعْمَلَةٍ عِنْدَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ الْمُنْعَمُ بِهِ قَدْ تَكُونُ لَهُ مَنَافِعُ لَا يَقْصِدُهَا الْمُخَاطَبُونَ مِثْلُ الْحَرْثِ بِالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَهُوَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُعْرَفُ مُنْكِرٌ عَلَيْهِمْ.

أَوْ مَنَافِعُ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهَا الْمُخَاطَبُونَ مِثْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ مَنَافِعِ الْأَدْوِيَةِ فِي الْحَيَوَانِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا لِلنَّاسِ مِنْ قَبْلُ، فَيَدْخُلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً

فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٩] ، فَإِنَّهُ عُمُومٌ فِي الذَّوَاتِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ

الْأَحْوَالِ عَدَا مَا خَصَّصَهُ الدَّلِيلُ مِمَّا فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ [١٤٥] قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ الْآيَةَ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنْ لَا دَلِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ أَكَلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ لِأَنَّ أَكْلَهَا نَادِرُ الْخُطُورِ بِالْبَالِ لِقِلَّتِهِ، وَكَيْفَ وَقَدْ أَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِدُونِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي حَالَةِ اضْطِرَارٍ، وَآيَةُ سُورَةِ النَّحْلِ يَوْمَئِذٍ مَقْرُوءَةٌ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَلَا أَنْكَرَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

كَمَا

جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ، فَسَكَتَ، ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ:

أُكِلَتِ الْحُمُرُ فَسَكَتَ. ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُِِ