وَهِيَ طَرِيقَةُ الْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ كَذِكْرِ الشَّيْءِ بِدَلِيلِهِ. فَنَفْيُ الْحَيَاةِ عَنِ الْأَصْنَامِ فِي قَوْلِهِ: غَيْرُ أَحْياءٍ يَسْتَلْزِمُ نَفْيُ الْعِلْمِ عَنْهَا لِأَنَّ الْحَيَاةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّ نَفْيَ أَنْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَا هُوَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ أَنْ يَعْلَمُوا أَحْوَالَ غَيْرِهِمْ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ غَيْرُ إِلَهٍ.
وَأُسْنِدَ يَخْلُقُونَ إِلَى النَّائِبِ لِظُهُورِ الْفَاعِلِ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُمْ مِنَ الْحِجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَلَا يُخْرِجُهَا نَحْتُ الْبَشَرِ إِيَّاهَا عَلَى صُوَرٍ وَأَشْكَالٍ عَنْ كَوْنِ الْأَصْلِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَوْلَهُ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [سُورَة الصافات: ٩٦] .
وَجُمْلَةُ غَيْرُ أَحْياءٍ تَأْكِيدٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ أَمْواتٌ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى عَرَاقَةِ وَصْفِ الْمَوْتِ فِيهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ حَيَاةٍ لِأَنَّهُمْ حِجَارَةٌ.
وَوُصِفَتِ الْحِجَارَةُ بِالْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمَوْتِ عَدَمَ الْحَيَاةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصْفِ بِأَسْمَاءِ الْإِعْدَامِ قَبُولُ الْمَوْصُوفَاتِ بِهَا لِمَلَكَاتِهَا، كَمَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ، لِأَنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ مَنْطِقِيٌّ دَعَا إِلَيْهِ تَنْظِيمُ أُصُولِ الْمُحَاجَّةِ.
وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ يَدْعُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ. وَفِيهَا زِيَادَةُ تَبْيِينٍ لِصَرْفِ الْخِطَابِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ.
وَجُمْلَةُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِدْمَاجٌ لِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ عَقِبَ الْكَلَامِ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ هَذَيْنِ هُمَا أَصْلُ إِبْطَالِ عَقِيدَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَمْهِيدٌ لِوَجْهِ التَّلَازُمِ بَيْنَ إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَبَيْنَ إِنْكَارِ التَّوْحِيدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [سُورَة النَّحْل: ٢٢] . وَلِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَيْ يَشْعُرُونَ
ويُبْعَثُونَ عَائِدَانِ إِلَى الْكُفَّارِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ، وَعَلَى تَنَاسُقِ الضَّمَائِرِ فِي قِرَاءَةِ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبَ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ نَفْيِ شُعُورِهِمْ بِالْبَعْثِ تَهْدِيدُهُمْ بِأَنَّ الْبَعْثَ الَّذِي أَنْكَرُوهُ وَاقِعٌ وَأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَتَّى يَبْغَتُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [سُورَة الْأَعْرَاف: ١٨٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute