مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [سُورَة النَّحْل: ٩٧] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها مُقَابِلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي ضِدِّهِمْ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [سُورَة النَّحْل: ٢٩] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا وَجْهُ تَسْمِيَةِ جَهَنَّمَ مَثْوًى وَالْجَنَّةِ دَارًا.
وَ (نِعْمَ) فِعْلُ مَدْحٍ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ، وَمَرْفُوعُهُ فَاعِلٌ دَالٌّ عَلَى جِنْسِ الْمَمْدُوحِ، وَيُذْكَرُ بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ آخَرُ يُسَمَّى الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، أَوْ خَبَرٌ مَحْذُوفُ الْمُبْتَدَأِ. فَإِذَا تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَخْصُوصِ بِالْمَدْحِ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا هُنَا، فَإِنَّ تَقَدُّمَ وَلَدارُ الْآخِرَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالْمَدْحِ هُوَ دَارُ الْآخِرَةِ. وَالْمَعْنَى: وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ دَارُ الْآخِرَةِ.
وَارْتَفَعَ جَنَّاتُ عَدْنٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مِمَّا حُذِفَ فِيهِ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ جَرْيًا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي مُسْنَدٍ إِلَيْهِ جَرَى كَلَامٌ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ [سُورَة النَّحْل: ٢٨] . وَالتَّقْدِيرُ: هِيَ جَنَّاتُ عَدْنٍ، أَيْ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ.
وَجُمْلَةُ يَدْخُلُونَها حَالٌ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِهِ اسْتِحْضَارُ تِلْكَ الْحَالَةِ الْبَدِيعَةِ حَالَةِ دُخُولِهِمْ لِدَارِ الْخَيْرِ وَالْحُسْنَى وَالْجَنَّاتِ.
وَجُمْلَةُ لَهُمْ فِيها مَا يَشاؤُنَ حَالُ مِنْ ضَمِيرِ الرَّفْعِ فِي يَدْخُلُونَها. وَمَضْمُونُهَا مُكَمِّلٌ لِمَا فِي جُمْلَةِ يَدْخُلُونَها مِنَ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ الْبَدِيعَةِ.
وَجُمْلَةُ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِ الْجَزَاءِ وَالتَّنْوِيهِ بِهِ. وَجَعْلِ الْجَزَاءِ لِتَمْيِيزِهِ وَكَمَالِهِ بِحَيْثُ يُشَبَّهُ بِهِ جَزَاءُ الْمُتَّقِينَ. وَالتَّقْدِيرُ: يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ جَزَاءً كَذَلِكَ الْجَزَاءِ الَّذِي عَلِمْتُمُوهُ. وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْمُتَّقِينَ للْعُمُوم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute