وَقَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٤٨] سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا، فَسَمَّى قَوْلَهُمْ هَذَا تَكْذِيبًا كَتَكْذِيبِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّكْذِيبُ وَتَعْضِيدُ تَكْذِيبِهِمْ بِحُجَّةٍ أَسَاءُوا الْفَهْمَ فِيهَا، فَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّى تَحْرِيكَ النَّاسِ لِأَعْمَالِهِمْ كَمَا يُحَرِّكُ صَاحِبُ خَيَالِ الظِّلِّ وَمُحَرِّكُ اللُّعَبِ أَشْبَاحَهُ وَتَمَاثِيلَهُ، وَذَلِكَ جَهْلٌ مِنْهُمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ تَكْوِينِ الْمَخْلُوقَاتِ وَبَيْنَ مَا يَكْسِبُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ أَمْرِ التَّكْذِيبِ وَأَمْرِ التَّكْلِيفِ، وَتَخْلِيطٌ بَيْنَ الرِّضَى وَالْإِرَادَةِ، وَلَوْلَا هَذَا التَّخْلِيطُ لَكَانَ قَوْلُهُمْ إِيمَانًا.
وَالْإِشَارَةُ بِ كَذلِكَ إِلَى الْإِشْرَاكِ وَتَحْرِيمِ أَشْيَاءَ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ كَفِعْلِ هَؤُلَاءِ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَهُمُ الْمَذْكُورُونَ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [سُورَة النَّحْل: ٢٦] وَبِقَوْلِهِ: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
[سُورَة النَّحْل:
٣٣] . وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُمْ فَعَلُوا كَفِعْلِهِمْ فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُمْ مَا عَلِمْتُمْ، فَلَوْ كَانَ فِعْلُهُمْ مُرْضِيًا لِلَّهِ لَمَا أَهْلَكَهُمْ، فَهَلَّا اسْتَدَلُّوا بِهَلَاكِهِمْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ رَاضٍ بِفِعْلِهِمْ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الِانْتِقَامِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ الْإِمْلَاءِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الِانْتِقَامِ وُجُودِيَّةٌ وَدَلَالَةُ الْإِمْهَالِ عَدَمِيَّةٌ.
وَضَمِيرُ نَحْنُ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ فِي عَبَدْنا. وَحَصَلَ بِهِ تَصْحِيحُ الْعَطْفِ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُتَّصِلِ. وَإِعَادَةُ حَرْفِ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا آباؤُنا لِتَأْكِيدِ مَا النَّافِيَةِ.
وَقَدْ فُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ قَطْعُ الْمُحَاجَّةِ مَعَهُمْ وَإِعْلَامُهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- مَا عَلَيْهِمْ إِلَّا الْبَلَاغُ وَمِنْهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونَ عَاقِبَتُكُمْ عَاقِبَةَ أَقْوَامِ الرُّسُلِ السَّالِفِينَ.
وَلَيْسَ الرُّسُلُ بِمُكَلَّفِينَ بِإِكْرَاهِ النَّاسِ عَلَى الْإِيمَانِ حَتَّى تَسْلُكُوا مَعَهُمُ التَّحَكُّكَ بِهِمْ وَالْإِغَاظَةَ لَهُمْ.
وَالْبَلَاغُ اسْمُ مَصْدَرِ الْإِبْلَاغِ. وَالْمُبِينُ: الْمُوَضِّحُ الصَّرِيحُ.
وَالِاسْتِفْهَامُ بِ (هَلْ) إِنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الِاسْتِثْنَاءُ عَقِبَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute