للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاسُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ [سُورَة التَّوْبَة: ١٢٨] وَإِنَّمَا هُوَ لِتَعْلِيقِ الْعِلْمِ بِمَضْمُونِ الْجَوَابِ عَلَى دَوَامِ حُصُولِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ. فَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتَ حَرِيصًا عَلَى هُدَاهُمْ حِرْصًا مُسْتَمِرًّا فَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ لَا تَسْتَطِيعُ هَدْيَهُ وَلَا تَجِدُ لِهَدْيهِ وَسِيلَةً وَلَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ. فَالْمُضَارِعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّجَدُّدِ لَا غَيْرَ، كَقَوْلِ عَنْتَرَةَ:

إِنْ تُغْدِ فِي دُونِي الْقِنَاعِ فَإِنَّنِي ... طَبٌّ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ

وَأَظْهَرُ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ أَيْضًا:

إِنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ الْفِرَاقَ فَإِنَّمَا ... زُمَّتْ رِكَابُكُمُ بِلَيْلٍ مُظْلِمِ

فَإِنَّ فِعْلَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْتَيْنِ فِي مَعْنَى: إِنْ كَانَ ذَلِكَ تَصْمِيمًا، وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِيهِمَا فِي مَعْنَى إِفَادَةِ الْعِلْمِ.

وَجُعِلَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الْإِخْبَارِ عَنِ اسْتِمْرَارِ ضَلَالِهِمُ اسْمَ الْجَلَالَةِ لِلتَّهْوِيلِ الْمُشَوِّقِ إِلَى اسْتِطْلَاعِ الْخَبَرِ. وَالْخَبَرُ هُوَ أَنَّ هُدَاهُمْ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا أَرَادَهُ اللَّهُ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ تَحْصِيلَهُ لَا أَنْتَ وَلَا غَيْرُكَ، فَمَنْ قَدَّرَ اللَّهُ دَوَامَ ضَلَالِهِ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَلَوْلَا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ ضَمِيرَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ بِأَنْ يُقَالَ: فَإِنَّهُمْ لَا يَهْدِيهِمْ غَيْرُ اللَّهِ.

وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ لَا يَهْدِي- بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ- مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ، وَحُذِفَ الْفَاعِلُ لِلتَّعْمِيمِ، أَيْ لَا يَهْدِيهِ هَادٍ.

ومَنْ نَائِبُ فَاعِلٍ، وَضَمِيرُ يُضِلُّ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ، أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْمُضَلَّلَ- بِفَتْحِ اللَّامِ- مِنْهُ. فَالْمُسْنَدُ سَبَبِيٌّ وَحُذِفَ الضَّمِيرُ السَّبَبِيُّ الْمَنْصُوبُ لِظُهُورِهِ وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [سُورَة الرَّعْد: ٣٣] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ [سُورَة الْأَعْرَاف: ١٨٦] .

وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ لَا يَهْدِي- بِفَتْحِ الْيَاءِ- بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَضَمِيرُ اسْمِ الْجَلَالَةِ هُوَ الْفَاعِلُ، ومَنْ مَفْعُولُ يَهْدِي، وَالضَّمِيرُ