للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ بِالْبَيِّناتِ مُتَعَلِّقٌ بِمُسْتَقَرِّ صِفَةٍ أَوْ حَالًا مِنْ رِجالًا. وَفِي تَعَلُّقِهِ وُجُوهٌ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي «الْكَشَّافِ» ، وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ مَصْحُوبِينَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، فَالْبَيِّنَاتُ دَلَائِلُ الصِّدْقِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ أَوْ أَدِلَّةٍ عَقْلِيَّةٍ. وَقَدِ اجْتَمَعَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَافْتَرَقَ بَيْنَ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ كَمَا تَفَرَّقَ مِنْهُ كَثِيرٌ لِرَسُولِنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والزُّبُرِ: جَمْعُ زَبُورٍ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّبْرِ أَيِ الْكِتَابَةِ، فَفَعُولُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.

والزُّبُرِ الْكُتُبُ الَّتِي كُتِبَ فِيهَا مَا أُوحِيَ إِلَى الرُّسُلِ مِثْلُ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَالتَّوْرَاةِ وَمَا كَتَبَهُ الْحَوَارِيُّونَ مِنَ الْوَحْيِ إِلَى عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْهُ عِيسَى.

وَلَعَلَّ عطف الزُّبُرِ عَلَى بِالْبَيِّناتِ عَطْفُ تَقْسِيمٍ بِقَصْدِ التَّوْزِيعِ، أَيْ بَعْضُهُمْ مَصْحُوبٌ بِالْبَيِّنَاتِ وَبَعْضُهُمْ بِالْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُ قد تَجِيء رُسُلٌ بِدُونِ كُتُبٍ، مِثْلُ حَنْظَلَةَ بْنِ صَفْوَانَ رَسُولِ أَهْلِ الرَّسِّ وَخَالِدِ بْنِ سِنَانٍ رَسُولِ عَبْسٍ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ لِنُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كِتَابًا.

وَقَدْ تُجْعَلُ الزُّبُرِ خَاصَّةً بِالْكُتُبِ الْوَجِيزَةِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا شَرِيعَةٌ وَاسِعَةٌ مِثْلُ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- وَالْإِنْجِيلُ كَمَا فَسَّرُوهَا بِهِ فِي سُورَةِ فَاطِرٍ.

وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ لَمَّا اتَّضَحَتِ الْحُجَّةُ بِشَوَاهِدِ التَّارِيخِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ ذُكِرَتِ النَّتِيجَةُ الْمَقْصُودَةُ، وَهُوَ أَنَّ مَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ وَلَيْسَ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ.