للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِما آتَيْناهُمْ أَيْ مِنَ النِّعَمِ. وَكُفْرُ النِّعْمَةِ لَيْسَ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى الْإِشْرَاكِ فَإِنَّ إِشْرَاكَهُمْ سَابِقٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدِ اسْتَصْحَبُوهُ عَقِبَ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُمْ، وَلَكِنْ شُبِّهَتْ مُقَارَنَةُ عَوْدِهِمْ إِلَى الشِّرْكِ بَعْدَ كَشْفِ الضُّرِّ عَنْهُمْ بِمُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى عَمَلٍ لِذَلِكَ الْعَمَلِ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ مُبَادَرَتُهُمْ لِكُفْرِ النِّعْمَةِ دُونَ تَرَيُّثٍ.

فَاسْتُعِيرَ لِهَذِهِ الْمُقَارَنَةِ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ تَمْلِيحِيَّةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ وَمِثْلُهَا كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ سَمَّى كَثِيرٌ مِنَ النُّحَاةِ هَذِهِ اللَّامَ لَامَ الْعَاقِبَةِ، وَمِثَالُهَا عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [سُورَة الْقَصَص: ٨] ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوَاضِعَ آخِرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ فِي هَذِه السُّورَة [النَّحْل: ٢٥] .

وَضَمِيرُ لِيَكْفُرُوا عَائِدٌ إِلَى فَرِيقٌ [سُورَة النَّحْل: ٥٤] بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ عَلَى جَمْعٍ مِنَ النَّاسِ.

وَالْإِيتَاءُ: الْإِعْطَاءُ. وَهُوَ مُسْتَعَارٌ لِلْإِنْعَامِ بِالْحَالَةِ النَّافِعَةِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْإِعْطَاءِ أَنْ يَكُونَ تَمْكِينًا بِالْمَأْخُوذِ الْمَحْبُوبِ.

وَعَبَّرَ بِالْمَوْصُولِ بِما آتَيْناهُمْ لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّلَةُ مِنْ كَوْنِهِ نِعْمَةً تَفْظِيعًا لِكُفْرَانِهِمْ بِهَا، لِأَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ قَبِيح عِنْد تجميع الْعُقَلَاءِ.

وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مُخَاطَبَتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ بِالتَّمَتُّعِ أَمْرَ إِمْهَالٍ وَقِلَّةَ اكْتِرَاثٍ بِهِمْ وَهُوَ فِي مَعْنَى التَّخْلِيَةِ.

وَالتَّمَتُّعُ: الِانْتِفَاعُ بِالْمَتَاعِ. وَالْمَتَاعُ الشَّيْءُ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مَحْبُوبًا وَيُسَرُّ بِهِ.

وَيُقَالُ: تَمَتَّعَ بِكَذَا وَاسْتَمْتَعَ. وَتَقَدَّمَ الْمَتَاعُ فِي آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ.

وَالْخِطَابُ لِلْفَرِيقِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ. لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَرَّعًا عَلَى كَلَامٍ خُوطِبَ بِهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ الْمُفَرَّعُ مِنْ تَمَامِ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ يُنَافِي الِالْتِفَاتَ الَّذِي يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ إِلَى مَرْجِعِ مَا قبله.

وَالْمعْنَى: فَنَقُول تَمَتَّعُوا بِالنِّعَمِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا إِلَى أَمَدٍ.