عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ جُحُودُ النِّعْمَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ [سُورَة العنكبوت: ١٧] . وَتَكُونُ جُمْلَةُ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ.
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ فِي يَجْحَدُونَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِالتَّحْتِيَّةِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ. وَنُكْتَتُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانُوا مَوْضِعَ التَّوْبِيخِ نَاسَبَ أَنْ يُعَرِّضَ عَنْ خِطَابِهِمْ وَيَنَالَهُمُ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّوْبِيخِ بِالتَّعْرِيضِ كَقَوْلِ:
أَبَى لَكَ كَسْبَ الْحَمْدِ رَأْيٌ مُقَصِّرٌ ... وَنَفْسٌ أَضَاقَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ بَاعَهَا
إِذَا هِيَ حَثَّتْهُ عَلَى الْخَيْرِ مَرَّةً ... عَصَاهَا وَإِنْ هَمَّتْ بِشَرٍّ أَطَاعَهَا
ثُمَّ صَرَّحَ بِمَا وَقَعَ التَّعْرِيضُ بِهِ بِقَوْلِهِ: أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ.
وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَرُوَيْسٍ عَن يَعْقُوب تجحدون بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّحْذِيرِ.
وَتَصْلُحُ جُمْلَةُ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ أَنْ تَكُونَ مُفَرَّعَةً عَلَى جُمْلَةِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ، فَيَكُونُ التَّوْبِيخُ مُتَوَجِّهًا إِلَى فَرِيقٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمُ الَّذِينَ فُضِّلُوا بِالرِّزْقِ وَهُمْ أُولُو السِّعَةِ مِنْهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ كُفْرًا بِالدِّينِ وَتَأَلُّبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَيْ أَيَجْحَدُ الَّذِينَ فُضِّلُوا بِنِعْمَةِ اللَّهِ إِذْ أَفَاضَ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ فَيَكُونُوا أَشَدَّ إِشْرَاكًا بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [سُورَة المزمل: ١١] .
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَجْحَدُونَ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِالتَّحْتِيَّةِ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الظَّاهِرِ. وَفِي قِرَاءَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ الْتِفَاتًا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى خِطَابِهِمْ إِقْبَالًا عَلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ لِإِدْخَالِ الرَّوْعِ فِي نُفُوسِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute