وَذَيَّلَ هَذَا التَّمْثِيلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ كَمَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ [٢٦] أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ الْآيَةَ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمَقَامَيْنِ مُتَّحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الأسلوب إِنَّمَا يومىء إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقْصُودِ أَوَّلًا وَالْمَقْصُودِ ثَانِيًا كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ هُنَالِكَ.
وَالْعَبْدُ: الْإِنْسَانُ الَّذِي يَمْلِكُهُ إِنْسَانٌ آخَرُ بِالْأَسْرِ أَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالْإِرْثِ.
وَقَدْ وُصِفَ عَبْداً هُنَا بِقَوْلِهِ: مَمْلُوكاً تَأْكِيدًا لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ وَإِشْعَارًا لِمَا فِي لَفْظِ عَبْدٍ مِنْ مَعْنَى الْمَمْلُوكِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَمَلِهِ تَصَرُّفَ الْحُرِّيَّةِ.
وَانْتَصَبَ عَبْداً عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلًا وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَي حَال بعد، لِأَنَّ الْمَثَلَ هُوَ لِلْهَيْئَةِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ. وَجُمْلَةُ لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ صِفَةُ عَبْداً، أَيْ عَاجِزًا عَنْ كُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ النَّاسُ، كَأَنْ يَكُونُ أَعْمَى وَزَمِنًا وَأَصَمَّ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَقَلَّ الْعَبِيدِ فَائِدَةً.
فَهَذَا مَثَلٌ لِأَصْنَامِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَدْعُون مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [سُورَة النَّحْل: ٢٠] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً [سُورَة العنكبوت: ١٧] .
ومَنْ مَوْصُولَة مَا صدقهَا حُرٌّ، بِقَرِينَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ، وَأَنَّهُ وُصِفَ بِالرِّزْقِ الْحَسَنِ فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا، أَيْ كَيْفَ شَاءَ. وَهَذَا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْأَحْرَارِ، لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَمْلِكُونَ رِزْقًا فِي عُرْفِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا حُكْمُ تَمَلُّكِ الْعَبْدِ مَالًا فِي الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا عَلَاقَةَ لِهَذِهِ الْآيَةِ بِهِ.
وَالرِّزْقُ: هُنَا اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَرْزُوقِ بِهِ.
وَالْحَسَنُ: الَّذِي لَا يَشُوبُهُ قُبْحٌ فِي نَوْعِهِ مِثْلُ قِلَّةِ وِجْدَانِ وَقْتِ الْحَاجَةِ، أَوْ إِسْرَاعِ فَسَادٍ إِلَيْهِ كَسُوسِ الْبُرِّ، أَوْ رَدَاءَةٍ كَالْحَشَفِ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْمَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute