للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِاسْمِ الْجَلَالَةِ وَجَعْلُ الْخَبَرِ عَنْهُ فِعْلًا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء [سُورَة النَّحْل: ٦٥] وَالْآيَاتِ بَعْدَهُ.

وَالْإِخْرَاجُ الْإِبْرَازُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ.

وَالْأُمَّهَاتُ: جَمْعُ أُمٍّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٢٣] .

وَالْبَطْنُ: مَا بَيْنَ ضُلُوعِ الصَّدْرِ إِلَى الْعَانَةِ، وَفِيهِ الْأَمْعَاءُ وَالْمَعِدَةُ وَالْكَبِدُ وَالرَّحِمُ.

وَجُمْلَةُ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً حَالٌ من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي أَخْرَجَكُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ

الطِّفْلَ حِينَ يُولَدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَأْخُذُ حَوَاسُّهُ تَنْقُلُ الْأَشْيَاءَ تَدْرِيجًا فَجَعَلَ اللَّهُ فِي الطِّفْلِ آلَاتِ الْإِدْرَاكِ وَأُصُولَ التَّفَكُّرِ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ تَفْسِيرُهُ أَنَّهُ أَوْجَدَ فِيكُمْ إِدْرَاكَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعَقْلِ، أَيْ كَوْنُهَا فِي النَّاسِ حَتَّى بَلَغَتْ مَبْلَغَ كَمَالِهَا الَّذِي يَنْتَهِي بِهَا إِلَى عِلْمِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً، أَيْ فَعَلِمْتُمْ أَشْيَاءَ.

وَوَجْهُ إِفْرَادِ السَّمْعِ وَجَمْعِ الْأَبْصَارِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٣١] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٤٦] .

والْأَفْئِدَةَ: جَمَعَ الْفُؤَادِ، وَأَصْلُهُ الْقَلْبُ. وَيُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْعَقْلِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

فَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ أَعْظَمُ آلَاتِ الْإِدْرَاكِ إِذْ بِهِمَا إِدْرَاكُ أَهَمِّ الْجُزْئِيَّاتِ، وَهُمَا أَقْوَى الْوَسَائِلِ لِإِدْرَاكِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ.

فَالْمُرَادُ بِالسَّمْعِ: الْإِحْسَاسُ الَّذِي بِهِ إِدْرَاكُ الْأَصْوَاتِ الَّذِي آلَتُهُ الصِّمَاخُ، وَبِالْإِبْصَارِ:

الْإِحْسَاسُ الْمُدْرِكُ لِلذَّوَاتِ الَّذِي آلَتُهُ الْحَدَقَةُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَيْنِ الْحَوَاسِّ لِأَنَّهُمَا أَهَمُّ، وَلِأَنَّ بِهِمَا إِدْرَاكَ دَلَائِلِ الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ.