يَكُونُ بِهَا ذَلِكَ التَّوَقِّي بِاسْتِعْمَالِ الْمَوْجُودِ وَصُنْعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنَ اللِّبَاسِ، إِذْ خَلَقَ اللَّهُ الظِّلَالَ صَالِحَةً لِلتَّوَقِّي مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، وَخَلَقَ الْكُهُوفَ فِي الْجِبَالِ لِيُمْكِنَ اللَّجَأُ إِلَيْهَا، وَخَلَقَ مَوَادَّ اللِّبَاسِ مَعَ الْإِلْهَامِ إِلَى صِنَاعَةِ نَسْجِهَا، وَخَلَقَ الْحَدِيدَ لِاتِّخَاذِ الدُّرُوعِ لِلْقِتَالِ.
وَ (مِنْ) فِي مِمَّا خَلَقَ ابْتِدَائِيَّةٌ.
وَالظِّلَالُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ [سُورَة النَّحْل: ٤٨] آنِفًا، لِأَنَّ الظِّلَالَ آثَارُ حَجْبِ الْأَجْسَامِ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ.
وَالْأَكْنَانُ: جَمَعَ كِنٍّ- بِكَسْرِ الْكَافِ- وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَكْنُونٍ فِيهِ، وَهِيَ الْغِيرَانُ وَالْكُهُوفُ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا خَلَقَ، ومِنَ الْجِبالِ، لِلتَّبْعِيضِ. كَانُوا يَأْوُونَ إِلَى الْكُهُوفِ فِي شِدَّةِ حَرِّ الْهَجِيرِ أَوْ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْمَطَرِ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ سَأَلُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ أَعْمَالِهِمْ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» .
وَالسَّرَابِيلُ: جَمْعُ سِرْبَالٍ، وَهُوَ الْقَمِيصُ يَقِي الْجَسَدَ حَرَّ الشَّمْسِ، كَمَا يَقِيهِ الْبَرْدَ.
وَخَصَّ الْحَرَّ هُنَا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ أَحْوَالِ بِلَادِ الْمُخَاطَبِينَ فِي وَقْتِ نُزُولِهَا، عَلَى أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الدِّفْءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ [سُورَة النَّحْل: ٥] ذَكَرَ ضِدَّهُ هُنَا.
وَالسَّرَابِيلُ الَّتِي تَقِي الْبَأْسَ: هِيَ دُرُوعُ الْحَدِيدِ. وَلَهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمِيصِ الدِّرْعُ، وَالسِّرْبَالُ، وَالْبَدَنُ.
وَالْبَأْسُ: الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ. وَإِضَافَتُهُ إِلَى الضَّمِيرِ عَلَى مَعْنَى التَّوْزِيعِ، أَيْ تَقِي بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، كَمَا فَسَّرَ بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [سُورَة الْأَنْعَام: ٦٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [سُورَة الْحَدِيد: ٢٥] ، وَهُوَ
بَأْسُ السُّيُوفِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِيُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ [سُورَة الْأَنْبِيَاء: ٨٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute