للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَغْيِيرِ صِيغَة الْفِعْل عَن الْمُضَارِعِ إِلَى الْمَاضِي تَهْيِئَةَ عَطْفِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ.

وَلَمْ يُوصَفِ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ، وَشَهِيدٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَأَمَّا وَصْفُهُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ [١٢٨] فَذَلِكَ وَصْفٌ كَاشِفٌ اقْتَضَاهُ مَقَامُ التَّذْكِيرِ لِلْمُخَاطِبِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ضَمُّوا إِلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ كُفْرَانَ نِعْمَةِ بَعْثِ رَسُولٍ إِلَيْهِمْ مَنْ قَوْمِهِمْ.

وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: عَلى هؤُلاءِ مَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ شَهَادَتِهِ بِكَوْنِهَا شَهَادَةً عَلَى الْمُتَحَدِّثِ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَكِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ جَارٍ فِي تَهْدِيدِهِمْ وَتَحْذِيرِهِمْ.

وهؤُلاءِ إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ فِي الذِّهْنِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَكْثَرَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِمْ.

وَقَدْ تَتَبَّعْتُ مَوَاقِعَ أَمْثَالِ اسْمِ الْإِشَارَةِ هَذَا فِي الْقُرْآنِ فَرَأَيْتُهُ يُعْنَى بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤١] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٨٩] .

وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً أَيْ أَرْسَلْنَاكَ شَهِيدًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدٌ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ وَمُرْشِدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

وَهَذَا تَخَلُّصٌ لِلشُّرُوعِ فِي تَعْدَادِ النِّعَمِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعَمِ الْإِرْشَادِ وَنِعَمِ الْجَزَاء على الِامْتِثَال وَبَيَانُ بَرَكَاتِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ لَهُمْ.