للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) مَعْمُولٌ لِلَامِ جَرٍّ مَحْذُوفَةٍ كَمَا هُوَ غَالِبُ حَالِهَا مَعَ أَنْ.

وَالْمَعْنَى التَّعْلِيلُ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِنَقْضِ الْأَيْمَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَيْ تَنْقُضُونَ الْأَيْمَانَ بِسَبَبِ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ، أَيْ أَقْوَى وَأَكْثَرُ.

وَالْأُمَّةُ: الطَّائِفَةُ وَالْقَبِيلَةُ. وَالْمَقْصُودُ طَائِفَةُ الْمُشْرِكِينَ وَأَحْلَافُهُمْ.

وأَرْبى: أَزْيَدُ، وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الرُّبُوِّ بِوَزْنِ الْعُلُوِّ، أَيِ الزِّيَادَةِ، يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ أَعْنِي كَثْرَةَ الْعَدَدِ، وَالْمَجَازَ أَعْنِي رَفَاهِيَةَ الْحَالِ وَحُسْنَ الْعَيْشِ. وَكَلِمَةُ أَرْبى تُعْطِي هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا فَلَا تَعْدِلُهَا كَلِمَةٌ أُخْرَى تَصْلُحُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَوَقْعُهَا هُنَا مِنْ مُقْتَضَى الْإِعْجَازِ. وَالْمَعْنَى: لَا يَبْعَثُكُمْ عَلَى نَقْضِ الْأَيْمَانِ كَوْنُ أُمَّةٍ أَحْسَنَ مِنْ أُمَّةٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هِيَ الْمَنْقُوضُ لِأَجْلِهَا وَأَنَّ الْأُمَّةَ الْمَفْضُولَةَ هِيَ الْمُنْفَصِلُ عَنْهَا، أَيْ لَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى نَقْضِ الْحَلِفِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَمْوَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَبْعَثُكُمْ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِصَالِ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْكُفَّارِ.

وَجُمْلَةُ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِلتَّعْلِيلِ بِمَا يَقْتَضِي الْحِكْمَةَ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ صِدْقَ الْإِيمَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ [سُورَة الْأَنْعَام: ١٦٥] .

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ قَصْرٌ مَوْصُوفٌ عَلَى صِفَةٍ.

وَالتَّقْدِيرُ: مَا ذَلِكَ الرَّبْوُ إِلَّا بَلْوَى لَكُمْ.

وَالْبَلْوُ: الِاخْتِبَارُ. وَمَعْنَى إِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ الْكِنَايَةَ عَنْ إِظْهَارِ حَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْقُرْآنِ. وَضَمِيرُ بِهِ يَعُودُ إِلَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ.

ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ تَأْكِيدُ أَنَّهُ سَيُبَيِّنُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ فَتَظْهَرُ الْحَقَائِقُ كَمَا هِيَ غَيْرُ مُغَشَّاةٍ بِزَخَارِفِ الشَّهَوَاتِ وَلَا