وَزَلَلُ الْقَدَمِ تَمْثِيلٌ لِاخْتِلَالِ الْحَالِ وَالتَّعَرُّضِ لِلضُّرِّ، لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ السُّقُوطُ أَوِ الْكَسْرُ، كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْقَدَمِ تَمَكُّنُ الرِّجْلِ مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِاسْتِقَامَةِ الْحَالِ وَدَوَامِ السَّيْرِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ تَمْثِيلَ مَا يَجُرُّهُ نَقْضُ الْأَيْمَانِ مِنَ الدَّخَلِ شُبِّهَتْ حَالُهُمْ بِحَالِ الْمَاشِي فِي طَرِيقٍ بَيْنَمَا كَانَتْ قَدَمُهُ ثَابِتَةً إِذَا هِيَ قَدْ زَلَّتْ بِهِ فَصُرِعَ. فَالْمُشَبَّهُ بِهَا حَالُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ نُكِّرَتْ قَدَمٌ وَأُفْرِدَتْ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُود قدما معيّنة وَلَا عَدَدًا مِنَ الْأَقْدَامِ، فَإِنَّكَ تَقُولُ لِجَمَاعَةٍ يَتَرَدَّدُونَ فِي أَمْرٍ: أَرَاكُمْ تُقَدِّمُونَ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُونَ أُخْرَى.
تَمْثِيلًا لِحَالِهِمْ بِحَالِ الشَّخْصِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الشَّيْءِ.
وَزِيَادَةُ بَعْدَ ثُبُوتِها مَعَ أَنَّ الزَّلَلَ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا بَعْدَ الثُّبُوتِ لِتَصْوِيرِ اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ، وَأَنَّهُ انْحِطَاطٌ مَنْ حَالِ سَعَادَةٍ إِلَى حَالِ شَقَاءٍ وَمَنْ حَالِ سَلَامَةٍ إِلَى حَالِ مِحْنَةٍ.
وَالثُّبُوتُ: مَصْدَرُ ثَبَتَ كَالثَّبَاتِ، وَهُوَ الرُّسُوخُ وَعَدَمُ التَّنَقُّلِ، وَخَصَّ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْكُتَّابِ الثُّبُوتَ الَّذِي بِالْوَاوِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ التَّحَقُّقُ مِثْلُ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ لَدَى الْقَاضِي، وَخَصُّوا الثَّبَاتَ الَّذِي بِالْأَلِفِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهِيَ تَفْرِقَةٌ حَسَنَةٌ.
وَالذَّوْقُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِحْسَاسِ الْقَوِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي
سُورَةِ الْعُقُودِ [٩٥] .
وَالسُّوءُ: مَا يُؤْلِمُ. وَالْمُرَادُ بِهِ: ذَوْقُ السُّوءِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُعَامَلَتِهِمْ مُعَامَلَةَ النَّاكِثِينَ عَنِ الدِّينِ أَوِ الْخَائِنِينَ عُهُودَهُمْ.
وصَدَدْتُمْ هُنَا قَاصِر، أَي بكونكم مُعْرِضِينَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَتَقَدَّمَ آنِفًا. ذَلِكَ أَنَّ الْآيَاتِ جَاءَتْ فِي الْحِفَاظِ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي يُعَاهِدُونَ اللَّهَ عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْإِسْلَامِ.
فَسَبِيلُ اللَّهِ: هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute