ذَلِكَ، وَضَمِنَ لَهُ أَنْ يُعِيذَهُ مِنْهُ، وَأَنْ يُعِيذَ أُمَّتَهُ عَوْذًا مُنَاسِبًا، كَمَا شُرِعَتِ التَّسْمِيَةُ فِي الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَكَمَا شُرِعَتِ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ.
وَإِنَّمَا لَمْ تُشْرَعْ لِذَلِكَ كَلِمَةُ (بَاسِمِ اللَّهِ) لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَخَلٍّ عَنِ النَّقَائِصِ، لَا مَقَامُ اسْتِجْلَابِ التَّيَمُّنِ وَالْبَرَكَةِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَفْسَهُ يُمْنٌ وَبَرَكَةٌ وَكَمَالٌ تَامٌّ، فَالتَّيَمُّنُ حَاصِلٌ وَإِنَّمَا يُخْشَى الشَّيْطَانُ أَنْ يَغْشَى بَرَكَاتِهِ فَيُدْخِلَ فِيهَا مَا يُنْقِصُهَا، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عِبَارَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى النُّطْقِ بِأَلْفَاظِهِ وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ وَكِلَاهُمَا مُعَرَّضٌ لِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَسُوسَةً تَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِهِ مِثْلُ الْإِنْسَاءِ، لِأَنَّ الْإِنْسَاءَ يُضِيعُ عَلَى الْقَارِئِ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ الْمِقْدَارُ الْمَنْسِيُّ مِنْ إِرْشَادٍ، وَوَسْوَسَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَعَانِيهِ مثل أَن يخطىء فَهْمًا أَوْ يَقْلِبَ عَلَيْهِ مُرَادًا، وَذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ وَسْوَسَةِ الْإِنْسَاءِ. وَهَذَا الْمَعْنَى يُلَائِمُ مَحْمَلَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ.
فَأَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوا تَعَلُّقَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ، فَقَالُوا لِأَنَّ الْقَارِئَ كَانَ فِي عِبَادَةٍ فَرُبَّمَا دَخَلَهُ عُجْبٌ أَوْ رِيَاءٌ وَهُمَا مِنَ الشَّيْطَانِ فَأُمِرَ بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ لِلسَّلَامَةِ مِنْ تَسْوِيلِهِ ذَلِكَ.
وَمَحْمَلُ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى النَّدْبِ لِانْتِفَاءِ أَمَارَاتِ الْإِيجَابِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُ. فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ نَدَبَهُ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ كُلِّ قِرَاءَةٍ.
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ جَمِيعَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ قِرَاءَةً وَاحِدَةً تَكْفِي اسْتِعَاذَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِهَا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ هَؤُلَاءِ. وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قِرَاءَةَ كُلِّ رَكْعَةٍ قِرَاءَةً مُسْتَقِلَّةً.
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَهُ مَنْدُوبًا لِلْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَكَرِهَهَا فِي قِرَاءَةِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَأَبَاحَهَا بِلَا نَدْبٍ فِي قِرَاءَةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ.
وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ فِي الصَّلَاةِ كِفَايَةً فِي الْحِفْظِ مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَقِيلَ: الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَقِيلَ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَنُسِبَ إِلَى عَطَاءٍ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْقُرْآنَ عَلَى قُرْآنِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [سُورَة الْإِسْرَاء:
٧٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute