للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجُمْلَةُ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ صِفَةٌ لِيَوْمًا وَكَانَ حَقُّ الْجُمْلَةِ إِذَا كَانَتْ خَبَرًا أَوْ صِفَةً أَوْ حَالًا أَوْ صِلَةً أَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى ضَمِيرِ مَا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ، وَيَكْثُرُ حَذْفُهُ إِذَا كَانَ مَنْصُوبًا أَوْ ضَمِيرًا مَجْرُورًا فَيُحْذَفُ مَعَ جَارِّهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْجَارُّ مَعْلُومًا لِكَوْنِ مُتَعَلِّقِهِ الَّذِي فِي الْجُمْلَةِ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا بِجَارٍّ مُعَيَّنٍ كَمَا هُنَا تَقْدِيرُهُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَازَ حَذْفُهُ لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ مِنَ الْكَلَامِ وَقَدْ يُحْذَفُ لِقَرِينَةٍ كَمَا فِي حَذْفِ ضَمِيرِ الْمَوْصُولِ إِذَا جُرَّ بِمَا جُرَّ بِهِ الْمَوْصُولُ. وَنَظِيرُ هَذَا الْحَذْفِ قَوْلُ الْعُرْيَانِ الْجَرْمِيِّ من جرم طَيء:

فَقُلْتُ لَهَا لَا وَالَّذِي حَجَّ حَاتِمٌ ... أَخُونُكِ عَهْدًا إِنَّنِي غَيْرُ خَوَّانِ

تَقْدِيرُهُ حَجَّ حَاتِمٌ إِلَيْهِ.

وَتَنْكِيرُ النَّفْسِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَهُوَ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ يُفِيدُ عُمُومَ النُّفُوسِ أَي لَا يُغني أحد كَائِنًا مَنْ كَانَ فَلَا تُغْنِي عَنِ الْكُفَّارِ آلِهَتُهُمْ وَلَا صُلَحَاؤُهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ عَقَائِدِهِمْ فِي غَنَاءِ أُولَئِكَ عَنْهُمْ، فَالْمَقْصُودُ نَفْيُ غَنَائِهِمْ عَنْهُمْ بِأَنْ يَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ نَفْيُ أَنْ يَجْزُوا عَنْهُمْ جَزَاءً يَمْنَعُ اللَّهَ عَنْ نَوَالِهِمْ بِسُوءٍ رَعْيًا لِأَوْلِيَائِهِمْ، فَالْمُرَادُ هُنَا الْغَنَاءُ بِحُرْمَةِ الشَّخْصِ وَتَوَقُّعُ غَضَبِهِ وَهُوَ غَنَاءُ كُفْءِ الْعَدُوِّ الَّذِي يَخَافُهُ الْعَدُوُّ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْأُمَمِ يَوْمَئِذٍ مِنَ اتِّقَائِهِمْ بَطْشَ مَوْلَى أَعْدَائِهِمْ وَإِحْجَامِهِمْ عَمَّا يُوجِبُ غَضَبَهُ تَقِيَّةً مِنْ مَكْرِهِ أَوْ ضُرِّهِ أَوْ حِرْمَانِ نَفعه قَالَ السموأل:

وَمَا ضَرَّنَا أَنَّا قَلِيلٌ وَجَارُنَا ... عَزِيزٌ وَجَارُ الْأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ

وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ:

لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ لَمْ تَسْتَبِحْ إِبِلِي ... بَنُو الشَّقِيقَةِ مِنْ ذهل بن شَيبَان

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَفَادَ قَوْلِهِ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً مُغَايِرٌ لِمَفَادِ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ إِلَخْ فَقَوْلُهُ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: ١٩] .

وَقَوْلُهُ: وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ الضَّمِيرَانِ عَائِدَانِ لِلنَّفْسِ الثَّانِيَةِ الْمَجْرُورَةِ بِعْنَ أَيْ لَا يُقْبَلُ مِنْ نَفْسٍ شَفَاعَةٌ تَأْتِي بِهَا وَلَا عَدْلٌ تَعْتَاضُ بِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ إِبْطَالُ عَقِيدَةٍ تُنَصِّلُ الْمُجْرِمَ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ مَا لَمْ يَشَأِ اللَّهُ لِيَكُونَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:

وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ