وَحُذِفَ مَفْعُولُ ادْعُ لِقَصْدِ التَّعْمِيمِ، أَوْ لِأَنَّ الْفِعْلَ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدَّوَامُ عَلَى الدَّعْوَةِ لَا بَيَانُ الْمَدْعُوِّينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ الدَّعْوَةِ.
وَمَعْنَى الْمُلَابَسَةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَخْلُوَ دَعْوَتُهُ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ عَنْ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ:
الْحِكْمَةُ، وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ.
فَالْحِكْمَةُ: هِيَ الْمَعْرِفَةُ الْمُحْكَمَةُ، أَيِ الصَّائِبَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْخَطَأِ، فَلَا تُطْلَقُ الْحِكْمَةُ إِلَّا عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْخَالِصَةِ عَنْ شَوَائِبِ الْأَخْطَاءِ وَبَقَايَا الْجَهْلِ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ وَفِي تَهْذِيبِهِمْ. وَلِذَلِكَ عَرَّفُوا الْحِكْمَةَ بِأَنَّهَا: مَعْرِفَةُ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ بِحَيْثُ لَا تَلْتَبِسُ عَلَى صَاحِبِهَا الْحَقَائِقُ الْمُتَشَابِهَةُ بَعْضُهَا بِبَعْض وَلَا تخطىء فِي الْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ. وَهِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ كَلَامٍ أَوْ عِلْمٍ يُرَاعَى فِيهِ إِصْلَاحُ حَالِ النَّاسِ وَاعْتِقَادُهُمْ إِصْلَاحًا مُسْتَمِرًّا لَا يَتَغَيَّرُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٩] مُفَصَّلًا فَانْظُرْهُ. وَتُطْلَقُ الْحِكْمَةُ عَلَى الْعُلُومِ الْحَاصِلَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَيُرَادِفُهَا الْحُكْمُ.
والْمَوْعِظَةِ: الْقَوْلُ الَّذِي يُلَيِّنُ نَفْسَ الْمَقُولِ لَهُ لِعَمَلِ الْخَيْرِ. وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الْحِكْمَةِ لِأَنَّهَا حِكْمَةٌ فِي أُسْلُوبٍ خَاصٍّ لِإِلْقَائِهَا. وَتَقَدَّمت عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦٣] . وَعِنْدَ قَوْلِهِ: مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٤٥] .
وَوَصْفُهَا بِالْحُسْنِ تَحْرِيضٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ لَيِّنَةً مَقْبُولَةً عِنْدَ النَّاسِ، أَيْ حَسَنَةً فِي جِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ الْأَجْنَاسُ بِتَفَاضُلِ الصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا.
وَعَطْفُ الْمَوْعِظَةِ عَلَى «الْحِكْمَةِ» لِأَنَّهَا تُغَايِرُ الْحِكْمَةَ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْوَجْهِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْلُكُ بِالْمَوْعِظَةِ مَسْلَكَ الْإِقْنَاعِ، فَمِنَ الْمَوْعِظَةِ حِكْمَةٌ، وَمِنْهَا خَطَابَةٌ، وَمِنْهَا جَدَلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute