بِذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَهْبِطُ الشَّرِيعَةِ الْمُوسَوِيَّةِ، وَرَمْزُ أَطْوَارِ تَأْرِيخِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَسْلَافِهِمْ، وَالَّذِي هُوَ نَظِيرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي أَنَّ أَصْلَ تَأْسِيسِهِ فِي عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الْإِسْرَاء: ١] فَأَحَلَّ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَعْدَ أَنْ هُجِرَ وَخُرِّبَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ أُمَّتَهُ تُجَدِّدُ مَجْدَهُ.
وَأَنَّ اللَّهَ مَكَّنَهُ من حرمي النبوءة وَالشَّرِيعَةِ، فَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى لَمْ يَكُنْ مَعْمُورًا حِينَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وَإِنَّمَا عُمِّرَتْ كَنَائِسُ حَوْلَهُ، وَأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَحْفَظُوا حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَكَانَ إِفْسَادُهُمْ سَبَبًا فِي تَسَلُّطِ أَعْدَائِهِمْ عَلَيْهِمْ وَخَرَابِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. وَفِي ذَلِكَ رَمْزٌ إِلَى أَنَّ إِعَادَةَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى سَتَكُونُ عَلَى يَدِ أُمَّةِ هَذَا الرَّسُولِ الَّذِي أَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ.
ثُمَّ إِثْبَاتُ دَلَائِلِ تَفَرُّدِ اللَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَالِاسْتِدْلَالُ بِآيَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْمِنَنِ عَلَى إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ.
وَالتَّذْكِيرُ بِالنِّعَمِ الَّتِي سَخَّرَهَا اللَّهُ لِلنَّاسِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِتَدْبِيرِ الْخَلْقِ، وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنْ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَتَرْكِ شُكْرِ غَيْرِهِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنِ اتِّخَاذِ بَنَاتٍ لَهُ.
وَإِظْهَارُ فَضَائِلَ مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ وَحِكْمَتِهِ، وَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ آدَابِ الْمُعَامَلَةِ نَحْوَ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ، وَمُعَامَلَةِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَالْحِكْمَةُ فِي سِيرَتِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ، وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ فِي ظَاهِرِهِمْ وَبَاطِنِهِمْ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّوْرَاةُ كُلُّهَا فِي خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً مِنْ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: ثَمَانِ عَشْرَةَ آيَةً مِنْهَا كَانَتْ فِي أَلْوَاحِ مُوسَى، أَيْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا
تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا
إِلَى قَوْلِهِ: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً [الْإِسْرَاء: ٢٢- ٣٩] .
وَيَعْنِي بِالتَّوْرَاةِ الْأَلْوَاحَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْوَصَايَا الْعَشْرِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الْقُرْآنَ حَكَى مَا فِي التَّوْرَاةِ وَلَكِنَّهَا أَحْكَامٌ قُرْآنِيَّةٌ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute