وَفِي هَذَا الْوَصْفِ بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ وَضْعِهَا مُعْجِزَةٌ خَفِيَّةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ سَيَكُونُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ مَسْجِدٌ عَظِيمٌ هُوَ مَسْجِدُ طِيبَةَ الَّذِي هُوَ قَصِيٌّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَيَكُونُ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَقْصَى مِنْهُ حِينَئِذٍ.
فَتَكُونُ الْآيَةُ مُشِيرَةً إِلَى جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمُفَضَّلَةِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالَّتِي بَينهَا
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ:
مَسْجِدُ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي»
. وَفَائِدَةُ ذِكْرِ مَبْدَأِ الْإِسْرَاءِ وَنِهَايَتِهِ بِقَوْلِهِ: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَمْرَانِ:
- أَحَدُهُمَا: التَّنْصِيصُ عَلَى قِطَعِ الْمَسَافَةِ الْعَظِيمَةِ فِي جُزْءِ لَيْلَةٍ، لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الظَّرْفِ وَهُوَ لَيْلًا وَمِنَ الْمَجْرُورَيْنِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قَدْ تَعَلَّقَ بِفِعْلِ أَسْرى، فَهُوَ تَعَلُّقٌ يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُعْجِزَاتِ.
- وَثَانِيهِمَا: الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ هَذَا الْإِسْرَاءَ رَمْزًا إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ جَمَعَ مَا جَاءَتْ بِهِ شَرَائِعُ التَّوْحِيدِ وَالْحَنِيفِيَّةِ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الصَّادِرُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى مَا تَفَرَّعَ عَنْهُ مِنَ الشَّرَائِعِ الَّتِي كَانَ مَقَرُّهَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ إِلَى خَاتِمَتِهَا الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ مَكَّةَ أَيْضًا فَقَدْ صَدَرَتِ الْحَنِيفِيَّةُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَفَرَّعَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا عَادَ الْإِسْرَاءُ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ كُلَّ سُرًى يَعْقُبُهُ تَأْوِيبٌ. وَبِذَلِكَ حَصَلَ رَدُّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.
وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ نزُول التشريع الاجماعي فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي الْآيَاتِ الْمُفْتَتَحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، فَفِيهَا: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute