فِي تَرْبِيَةِ الْعَزِيزِ طِيفَارَ كَبِيرِ شُرَطِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَتْ مِصْرُ مُنْقَسِمَةً إِلَى قِسْمَيْنِ مِصْرُ الْعُلْيَا الْجَنُوبِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ الْيَوْمَ بِالصَّعِيدِ لِحُكْمِ فَرَاعِنَةٍ مِنَ الْقِبْطِ وَقَاعِدَتُهَا طِيوَةُ، وَمِصْرُ السُّفْلَى وَهِيَ الشَّمَالِيَّةُ وَقَاعِدَتُهَا مَنْفِيسُ وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ مَقَرُّ الْفَرَاعِنَةِ وَهَذِهِ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهَا الْعَمَالِقَةُ مِنَ السَّامِيِّينَ أَبْنَاءِ عَمِّ ثَمُودَ وَهُمُ الَّذِينَ يُلَقَّبُونَ فِي التَّارِيخِ الْمِصْرِيِّ بالرعاة الرحالين والهكصوص فِي سَنَةِ ٣٣٠٠ أَوْ سَنَةِ ١٩٠٠ قَبْلَ الْمَسِيحِ على خلاف ناشىء عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ بَقَائِهِمْ بِمِصْرَ الَّذِي انْتَهَى سَنَةَ ١٧٠٠ ق م عِنْدَ ظُهُورِ الْعَائِلَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، فَكَانَ يُوسُفُ عِنْدَ رَئِيسِ شُرَطِ فِرْعَوْنَ الْعِمْلِيقِيِّ، وَاسْمُ فِرْعَوْن يَوْمئِذٍ أَبُو فيس أَوْ أُبَيْبِي وَأَهْلُ الْقَصَصِ وَمَنْ تَلَقَّفَ كَلَامَهُمْ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ سَمَّوْهُ رَيَّانَ بْنَ الْوَلِيدِ وَهَذَا مِنْ أَوْهَامِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ١٧٣٩ قَبْلَ مِيلَادِ الْمَسِيحِ، ثُمَّ كَانَتْ سُكْنَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِصْرَ بِسَبَبِ تَنَقُّلِ يَعْقُوبَ وَأَبْنَائِهِ إِلَى مِصْرَ حِينَ ظَهَرَ أَمْرُ يُوسُفَ وَصَارَ بِيَدِهِ حُكْمُ الْمَمْلَكَةِ
الْمِصْرِيَّةِ السُّفْلَى. وَكَانَتْ مُعَاشَرَةُ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ لِلْمِصْرِيِّينَ حَسَنَةً زَمَنًا طَوِيلًا غَيْرَ أَنَّ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ قَدْ حَافَظُوا عَلَى دِينِهِمْ وَلُغَتِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ فَلَمْ يَعْبُدُوا آلِهَةَ الْمِصْرِيِّينَ وَسَكَنُوا جَمِيعًا بِجِهَةٍ يُقَالُ لَهَا أَرْضُ (جَاسَانَ) وَمَكَثَ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ عَلَى ذَلِكَ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ تَغَلَّبَ فِي خِلَالِهَا مُلُوكُ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى مُلُوكِ الْعَمَالِقَةِ وَطَرَدُوهُمْ مِنْ مِصْرَ حَتَّى ظَهَرَتْ فِي مِصْرَ الْعَائِلَةُ التَّاسِعَةُ عَشْرَةَ وَمَلَكَ مُلُوكُهَا جَمِيعَ الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ ونبغ فيهم رعمسيس الثَّانِي الْمُلَقَّبُ بِالْأَكْبَرِ فِي حُدُودِ سَنَةِ ١٣١١ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَكَانَ مُحَارِبًا بَاسِلًا وَثَارَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَمَالِكُ الَّتِي أَخْضَعَهَا أَبُوهُ وَمِنْهُمُ الْأُمَمُ الْكَائِنَةُ بِأَطْرَافِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَحَدَثَتْ أَسْبَابٌ أَوْ سُوءُ ظُنُونٍ أَوْجَبَتْ تَنَكُّرَ الْقِبْطِ عَلَى الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَكَلَّفُوهُمْ أَشَقَّ الْأَعْمَالِ وَسَخَّرُوهُمْ فِي خِدْمَةِ الْمَزَارِعِ وَالْمَبَانِي وَصُنْعِ الْآجُرِّ. وَتَقُولُ التَّوْرَاةُ إِنَّهُمْ بَنَوْا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَةَ مَخَازِنَ (فِيثُومَ) وَمَدِينَةَ (رَعْمِسِيسَ) ثُمَّ خَشِيَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ أَعْوَانًا لِأَعْدَائِهِ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِاسْتِئْصَالِهِمْ وَكَأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مُسَاعَدَةٍ مِنْهُمْ لِأَبْنَاءِ نَسَبِهِمْ مِنَ الْعَمَالِقَةِ وَالْعَرَبِ فَكَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ أَبْنَائِهِمْ وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَتَسْخِيرِ كِبَارِهِمْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْهُمْ مِنَ التَّنَكُّرِ، أَوْ لِأَنَّ الْقِبْطَ لَمَّا أَفْرَطُوا فِي اسْتِخْدَامِ الْعِبْرَانِيِّينَ عَلِمَ فِرْعَوْنُ أَنَّهُ إِنِ اخْتَلَطَتْ جُيُوشُهُ فِي حَرْبٍ لَا يَسْلَمُ مِنْ ثَوْرَةِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ فَأَمَرَ بِاسْتِئْصَالِهِمْ. وَأَمَّا مَا يَحْكِيهِ الْقَصَّاصُونَ أَنَّ فِرْعَوْنَ أَخْبَرَهُ كَاهِنٌ أَنَّ ذَهَابَ مُلْكِهِ يَكُونُ عَلَى يَدِ فَتًى مِنْ إِسْرَائِيلَ فَلَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يُرَوَّجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute