للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى بِشَارَةٍ وَإِنْذَارٍ وَكَانَ الْمُنْذَرُونَ إِذَا سَمِعُوا الْوَعِيدَ وَالْإِنْذَارَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يس: ٤٨] عَطَفَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى مَا سَبَقَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ الْوَعْدِ أَجَلًا مُسَمًّى. فَالْمُرَادُ بِالْإِنْسَانِ الْإِنْسَانُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا وأَ وَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً [مَرْيَم: ٦٦- ٦٧] وَإِطْلَاقُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْكَافِرِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآن.

وَفعل يدعوا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى يَطْلُبُ وَيَبْتَغِي، كَقَوْلِ لَبِيدٍ:

أَدْعُو بِهِنَّ لِعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِلٍ ... بُذِلَتْ لِجِيرَانِ الْجَمِيعِ لِحَامُهَا

وَقَوْلُهُ: دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مَصْدَرٌ يُفِيدُ تَشْبِيهًا، أَيْ يَسْتَعْجِلُ الشَّرَّ كَاسْتِعْجَالِهِ الْخَيْر، يَعْنِي يستبطىء حُلُولَ الْوَعيد كَمَا يستبطىء أحد تَأَخّر خير وُعِدَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا تَذْيِيلٌ، فَالْإِنْسَانُ هَنَا مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّذْيِيلِ، أَيْ وَمَا هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ إِلَّا مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، وَفِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ الِاسْتِعْجَالُ فَإِنَّ (كَانَ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَهَا مُتَّصِفٌ بِخَبَرِهَا اتِّصَافًا مُتَمَكِّنًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الْكَهْف: ٥٤] .

وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا الْكِنَايَةُ عَنْ عَدَمِ تَبَصُّرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ فِي تَوْقِيتِ الْأَشْيَاءِ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يُونُس: ١١] ، وَلَكِنَّهُ دَرَّجَ لَهُمْ وَصُولَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لُطْفًا بِهِمْ فِي الْحَالَيْنِ.

وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِالشَّرِّ وبِالْخَيْرِ لِتَأْكِيدِ لُصُوقِ الْعَامِلِ بِمَعْمُولِهِ كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] أَوْ لِتَضْمِينِ مَادَّةِ الدُّعَاءِ مَعْنَى الِاسْتِعْجَالِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِها [الشورى: ١٨] .