وَالْمُتْرَف: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَتْرَفَهُ إِذَا أَعْطَاهُ التُّرْفَةَ. بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ- أَيِ النِّعْمَةَ. وَالْمُتْرَفُونَ هُمْ أَهْلُ النِّعْمَةِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ، وَهُمْ مُعْظَمُ أَهْلِ الشِّرْكِ بِمَكَّةَ. وَكَانَ مُعْظَمُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ ضُعَفَاءَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمّل: ١١] .
وَتَعْلِيقُ الْأَمْرِ بِخُصُوصِ الْمُتْرَفِينَ مَعَ أَنَّ الرُّسُلَ يُخَاطِبُونَ جَمِيعَ النَّاسِ، لِأَنَّ عِصْيَانَهُمُ الْأَمْرَ الْمُوَجَّهَ إِلَيْهِمْ هُوَ سَبَبُ فِسْقِهِمْ وَفسق بَقِيَّة قَومهمْ إِذْ هُمْ قَادَةُ الْعَامَّةِ وَزُعَمَاءُ الْكُفْرِ فَالْخِطَابُ فِي الْأَكْثَرِ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا فَسَقُوا عَنِ الْأَمْرِ اتَّبَعَهُمُ الدَّهْمَاءُ فَعَمَّ الْفِسْقُ أَوْ غَلَبَ عَلَى الْقَرْيَةِ فَاسْتَحَقَّتِ الْهَلَاكَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَمَرْنا
بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ آمَرْنَا بِالْمَدِّ بِهَمْزَتَيْنِ هَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ وَهَمْزَةِ فَاءِ الْفِعْلِ، أَيْ جَعَلْنَاهُمْ آمِرِينَ، أَيْ دَاعِينَ قَوْمَهُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ، فَسَكَنَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا تَخْفِيفًا، أَوِ الْأَلِفُ أَلِفُ الْمُفَاعَلَةِ، وَالْمُفَاعَلَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمُبَالَغَةِ، مِثْلُ عَافَاهُ اللَّهُ.
وَالْفِسْقُ: الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقَرِّ وَعَنِ الطَّرِيقِ. وَالْمُرَادُ بِهِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ الْخُرُوجُ عَمَّا أَمَّرَ اللَّهُ بِهِ، وَتقدم عَنهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦] .
والْقَوْلُ
هُوَ مَا يُبَلِّغُهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ مِنْ كَلَامٍ بِوَاسِطَةِ الرُّسُلِ وَهُوَ قَوْلُ الْوَعِيدِ كَمَا قَالَ: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ [الصافات: ٣١] .
وَالتَّدْمِيرُ: هَدْمُ الْبِنَاءِ وَإِزَالَةُ أَثَرِهِ، وَهُوَ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلِاسْتِئْصَالِ إِذِ الْمَقْصُودُ إِهْلَاكُ أَهْلِهَا وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ بِنَائِهِمْ كَمَا فِي قَوْله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُف: ٨٢] . وَتَقَدَّمَ التَّدْمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ فِي سُورَة الْأَعْرَاف [١٣٧] . وتأكيد فَدَمَّرْناها
بِالْمَصْدَرِ مَقْصُودٌ مِنْهُ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ التَّدْمِيرِ لَا نَفْيُ احْتِمَال الْمجَاز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute