للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّشْرِيعُ بِذِكْرِ أَصْلِ التَّشْرِيعَةِ كُلِّهَا وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ، فَذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِمَا سَيُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ.

وَجِيءَ بِخِطَابِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ النَّاسِ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ.

وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: رَبُّكَ للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ قَبْلُ: مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ [الْإِسْرَاء: ٢٠] ، وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَعُمُّ الْأُمَّةَ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ.

وَابْتُدِئَ التَّشْرِيعُ بِالنَّهْيِ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ أَصْلُ الْإِصْلَاحِ، لِأَنَّ إِصْلَاحَ التَّفْكِيرِ مُقَدَّمٌ عَلَى إِصْلَاحِ الْعَمَلِ، إِذْ لَا يُشَاقُّ الْعَقْلُ إِلَى طَلَبِ الصَّالِحَاتِ إِلَّا إِذَا كَانَ صَالِحًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»

. وَقَدْ فَصَّلْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى «أُصُولَ النِّظَامِ الِاجْتِمَاعِيِّ فِي الْإِسْلَامِ» .

وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً

هَذَا أَصْلٌ ثَانٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ.

وَانْتَصَبَ إِحْساناً عَلَى المفعولية الْمُطلقَة مصدر نَائِبًا عَنْ فِعْلِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَأَحْسِنُوا إِحْسَانًا بِالْوَالِدَيْنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْعَطْفُ عَلَى أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أَيْ وَقَضَى إِحْسَانًا بِالْوَالِدَيْنِ.