وَنُحِسَ، وَالْمَعْنَى: جُعِلَ يَسِيرًا غَيْرَ عَسِيرٍ، وَكَذَلِكَ يُقَال: عسر. وَالْقَوْلُ الْمَيْسُورُ: اللِّينُ الْحَسَنُ الْمَقْبُولُ عِنْدَهُمْ شِبْهُ الْمَقْبُولِ بِالْمَيْسُورِ فِي قَبُولِ النَّفْسِ إِيَّاهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْبُولِ عَسِيرٌ. أَمَرَ اللَّهُ بِإِرْفَاقِ عَدَمِ الْإِعْطَاءِ لِعَدَمِ الْمَوْجِدَةِ بِقَوْلٍ لَيِّنٍ حَسَنٍ بِالِاعْتِذَارِ وَالْوَعْدِ عِنْدَ الْمَوْجِدَةِ، لِئَلَّا يُحْمَلَ الْإِعْرَاضُ عَلَى قِلَّةِ الِاكْتِرَاثِ وَالشُّحِّ.
وَقَدْ شَرَطَ الْإِعْرَاضَ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ إِعْرَاضًا لِابْتِغَاءِ رِزْقٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ إِعْرَاضًا لِعَدَمِ الْجِدَةِ لَا اعْتِرَاضًا لِبُخْلٍ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ قَوْلٌ لَيِّنٌ فِي الِاعْتِذَارِ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ أَنَّهُ اعْتِذَارٌ صَادِقٌ وَلَيْسَ تَعَلُّلًا كَمَا قَالَ بَشَّارٌ:
وَلِلْبَخِيلِ عَلَى أَمْوَاله علل ... رزق الْعُيُونِ عَلَيْهَا أَوْجُهٌ سُودٌ
فَقَوْلُهُ: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تُعْرِضَنَّ مُصَدَّرٌ بِالْوَصْفِ، أَيْ مُبْتَغِيًا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ. وتَرْجُوها صِفَةٌ لِ رَحْمَةٍ. وَالرَّحْمَةُ هُنَا هِيَ الرِّزْقُ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ الْعَطَاءُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرِّزْقَ سَبَبٌ لِلرَّحْمَةِ لِأَنَّهُ إِذَا أَعْطَاهُ مُسْتَحِقَّهُ أُثِيبَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إِدْمَاجٌ.
وَفِي ضِمْنِ هَذَا الشَّرْطِ تَأْدِيبٌ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ كَانَ فَاقِدًا مَا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ أَنْ يَرْجُوَ مِنَ اللَّهِ تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ، وَأَنْ لَا يَحْمِلَهُ الشُّحُّ عَلَى السُّرُورِ بِفَقْدِ الرِّزْقِ لِلرَّاحَةِ مِنَ الْبَذْلِ بِحَيْثُ لَا يعْدم الْبَذْل الْآن إِلَّا وَهُوَ رَاجٍ أَنْ يَسْهُلَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ حِرْصًا عَلَى فَضِيلَتِهِ،
وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرِضَ عَنْ ذِي الْقُرْبَى وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِلَّا فِي حَالِ رَجَاءِ حُصُولِ نِعْمَةٍ فَإِنْ حصلت أَعْطَاهُم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute