للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَمِيعِ أَزْمِنَةِ حُصُولِ مَضْمُونِ شَرْطِ (إِذَا) الظَّرْفِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى عَدَمِ التَّسَامُحِ فِي شَيْءٍ مِنْ نَقْصِ الْكَيْلِ عِنْدَ كُلِّ مُبَاشَرَةٍ لَهُ. ذَلِكَ أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ آيَةِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّ مَضْمُونَهَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ فِي سُوءِ شَرَائِعِهِمْ وَكَانَتْ هُنَا أَجْدَرَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْرِيعِ.

وَفِعْلُ (كَالَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ مُبَاشِرُ الْكَيْلِ، فَهُوَ الَّذِي يَدْفَعُ الشَّيْءَ الْمَكِيلَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يَقْبِضُ الشَّيْءَ الْمَكِيلَ: مُكْتَالٌ. وَهُوَ مِنْ أَخَوَاتِ بَاعَ وَابْتَاعَ، وَشَرَى وَاشْتَرَى، وَرَهَنَ وَارْتَهَنَ، قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين: ٢- ٣] .

وَ «الْقُسْطَاسِ» - بِضَمِّ الْقَافِ- فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَهُ- بِالْكَسْرِ- حَفْصٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكسَائِيّ، وَخلف. وَهَا لُغَتَانِ فِيهِ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْمِيزَانِ أَيْ آلَةِ الْوَزْنِ، وَاسْمٌ لِلْعَدْلِ، قِيلَ: هُوَ مُعَرَّبٌ مِنَ الرُّومِيَّةِ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ قَسَطَ، أَيْ عَدَلَ، وَطَاسَ وَهُوَ كِفَّةُ الْمِيزَانِ. وَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِسْطَاسُ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ» . وَلَعَلَّ كَلِمَةَ قَسَطَ اخْتِصَارٌ لِقِسْطَاسٍ لِأَنَّ غَالِبَ الْكَلِمَاتِ الرُّومِيَّةِ تَنْتَهِي بِحَرْفِ السِّينِ. وَأَصْلُهُ فِي الرُّومِيَّةِ مَضْمُومُ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا غَيَّرَهُ الْعَرَبُ بِالْكَسْرِ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَحَرَّوْنَ فِي ضَبْطِ الْكَلِمَاتِ الْأَعْجَمِيَّةِ. وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ «أَعْجَمِيٌّ فَالْعَبْ بِهِ مَا شِئْتَ» .

وَمَعْنَى الْعَدْلِ وَالْمِيزَانِ صَالِحَانِ هُنَا، لَكِنَّ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ جَاءَ فِيهَا بِالْقِسْطِ فَهُوَ الْعَدْلُ لِأَنَّهَا سِيقَتْ مَسَاقَ التَّذْكِيرِ لِلْمُشْرِكِينَ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ فَنَاسَبَ أَنْ يُذَكَّرُوا بِالْعَدْلِ لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا يَفْعَلُونَهُ ظُلْمٌ. وَالْبَاءُ هُنَالِكَ لِلْمُلَابَسَةِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ جَاءَتْ خِطَابًا لِلْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَجْدَرَ بِاللَّفْظِ الصَّالِحِ لِمَعْنَى آلَةِ الْوَزْنِ، لِأَنَّ شَأْنَ التَّشْرِيعِ بَيَانُ تَحْدِيدِ الْعَمَلِ مَعَ كَونه يومىء إِلَى مَعْنَى الْعَدْلِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ. فَالْبَاءُ هُنَا ظَاهِرَةٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِعَانَةِ وَالْآلَةِ، وَمُفِيدَةٌ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْضًا.