للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَعَدْنَا بِدُونِ أَلِفٍ عَقِبَ الْوَاوِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

وَمُوسَى هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَاحِبُ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَهُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ جَدِّهِ وَلَكِنَّ الَّذِي جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ هُوَ وَأَخُوهُ هَارُونُ مِنْ سِبْطِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ. وُلِدَ بِمِصْرَ فِي حُدُودِ سَنَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ مِيلَادِ عِيسَى وَلَمَّا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ خَافَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ الْقِبْطُ فَيَقْتُلُوهُ لِأَنَّهُ فِي أَيَّامِ وِلَادَتِهِ كَانَ الْقِبْطُ قَدْ سَامُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ سُوءَ الْعَذَابِ لِأَسْبَابٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ [الْبَقَرَة: ٤٩] فَأَمَرَ مَلِكُ مِصْرَ بِقَتْلِ كُلِّ ذَكَرٍ يُولَدُ فِي إِسْرَائِيلَ.

وَأُمُّهُ تُسَمَّى «يُوحَانَذَ» وَهِيَ أَيْضًا مِنْ سِبْطِ لَاوِي وَكَانَ زَوْجُهَا قَدْ تُوُفِّيَ حِينَ وَلَدَتْ مُوسَى فَتَحَيَّلَتْ لِإِخْفَائِهِ عَنِ الْقِبْطِ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَلْهَمَهَا اللَّهُ فَأَرْضَعَتْهُ رَضْعَةً وَوَضَعَتْهُ فِي سَفَطٍ مَنْسُوجٍ مِنْ خُوصِ البردي وطلته بالمغفرة وَالْقَارِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْمَاءُ وَوَضَعَتْ فِيهِ الْوَلَدَ وَأَلْقَتْهُ فِي النِّيلِ بِمَقْرُبَةٍ مِنْ مَسَاكِنِ فِرْعَوْن على شاطىء النِّيلِ وَوَكَّلَتْ أُخْتًا لَهُ اسْمُهَا مَرْيَمُ بِأَنْ تَرْقُبَ الْجِهَةَ الَّتِي يُلْقِيهِ النِّيلُ فِيهَا وَمَاذَا يَصْنَعُ بِهِ، وَكَانَ مَلِكُ مِصْرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَقْرِيبًا هُوَ فِرْعَوْن رعمسيس الثَّانِيَ، وَلَمَّا حَمَلَهُ النَّهْرُ كَانَتِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ الْمُسَمَّاةُ ثَرْمُوتَ مَعَ جَوَارٍ لَهَا يَمْشِينَ عَلَى حَافَةِ النَّهْرِ لِقَصْدِ السِّبَاحَةِ وَالتَّبَرُّدِ فِي مَائِهِ قِيلَ كَانُوا فِي

مَدِينَةِ عَيْنِ شَمْسٍ فَلَمَّا بَصُرَتْ بِالسَّفَطِ أَرْسَلَتْ أَمَةً لَهَا لِتَنْظُرَ السَّفَطَ فَلَمَّا فَتَحْنَهُ وَجَدْنَ الصَّبِيَّ فَأَخَذَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى أُمِّهَا وَأَظْهَرَتْ مَرْيَمُ أُخْتُ مُوسَى نَفْسَهَا لِابْنَةِ فِرْعَوْنَ فَلَمَّا رَأَتْ رِقَّةَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ عَلَى الصَّبِيِّ قَالَتْ: إِنَّ فِينَا مُرْضِعًا أَفَأَذْهَبُ فَأَدْعُوَهَا لِتُرْضِعَهُ؟ فَقَالَتْ:

نَعَمْ فَذَهَبَتْ وَأَتَتْ بِأُمِّ مُوسَى. وَأَخَذَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ الْوَلَدَ وَتَبَنَّتْهُ وَسَمَّتْهُ مُوشَى قِيلَ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَةِ «مو» بِمَعْنَى الْمَاءِ وَكَلِمَةِ «شى» بِمَعْنَى الْمُنْقِذِ وَقَدْ صَارَتْ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُوسَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مُرَكَّبٌ مِنَ اللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ لَا مِنَ الْقِبْطِيَّةِ فَلَعَلَّهُ كَانَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ وَأَنَّهُ غَيَّرَ اسْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَنَشَأَ مُوسَى فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ كَوَلَدٍ لَهُ وَلَمَّا كَبِرَ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِابْن لفرعون وَأَنَّهُ إِسْرَائِيلِيٌّ وَلَعَلَّ أُمَّهُ أَعْلَمَتْهُ بِذَلِكَ وَجَعَلَتْ لَهُ أَمَارَاتٍ يُوقِنُ بِهَا وَأَنْشَأَهُ اللَّهُ عَلَى حُبِّ الْعَدْلِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَكَانَ مُوسَى شَدِيدًا قَوِيَّ الْبِنْيَةِ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ فِي حُدُودِ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ عُمُرِهِ حَدَثَ لَهُ حَادِثٌ قَتَلَ فِيهِ قِبْطِيًّا انْتِصَارًا لِإِسْرَائِيلِيٍّ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لِقَصْرِ فِرْعَوْنَ أَيْ بَعْدِ مَوْتِ مُرَبِّيهِ فَخَافَ مُوسَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَهَاجَرَ مِنْ مِصْرَ وَمَرَّ فِي مُهَاجَرَتِهِ بِمَدْيَنَ وَتَزَوَّجَ ابْنَةَ شُعَيْبٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَدْيَنَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ وَعُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ نَيِّفٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.