للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِشَارَةِ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ وَجَوَامِعِ الْأَعْمَالِ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْعِبَرِ عَادَ هُنَا إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى عَدَمِ انْتِفَاعِ الْمُشْرِكِينَ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ لِمُنَاسَبَةِ الْإِخْبَارِ عَنْ عَدَمِ فِقْهِهِمْ دَلَالَةَ الْكَائِنَاتِ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَن النقائص، وَتَنْبِيهًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى وُجُوبِ إقلاعهم عَن بعثتهم وَعِنَادِهِمْ، وتأمينا للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكْرِهِمْ بِهِ وَإِضْمَارِهِمْ إِضْرَارَهُ، وَقَدْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ الْقُرْآنَ تَغِيظُهُمْ وَتُثِيرُ فِي نُفُوسِهِمُ الِانْتِقَامَ.

وَحَقِيقَة الْحجاب: السَّاتِر الَّذِي يَحْجُبُ الْبَصَرَ عَنْ رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَهُ. وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلصِّرْفَةِ الَّتِي يَصْرِفُ اللَّهُ بِهَا أَعدَاء النبيء- عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- عَنِ الْإِضْرَارِ بِهِ للإعراض الَّذِي يُعْرِضُونَ بِهِ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِهِ. وَجَعَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ الْمَذْكُورَ إِيجَادَ ذَلِكَ الصَّارِفِ فِي نُفُوسِهِمْ بِحَيْثُ يَهُمُّونَ وَلَا يَفْعَلُونَ، وَذَلِكَ مِنْ خَوَرِ الْإِرَادَةِ وَالْعَزِيمَةِ بِحَيْثُ يَخْطُرُ الْخَاطِرُ فِي نُفُوسِهِمْ ثُمَّ لَا يُصَمِّمُونَ، وَتَخْطُرُ مَعَانِي الْقُرْآنِ فِي أَسْمَاعِهِمْ ثُمَّ لَا يَتَفَهَّمُونَ. وَذَلِكَ خُلُقٌ يَسْرِي إِلَى النُّفُوس تديجيا تَغْرِسُهُ فِي النُّفُوس بادىء الْأَمْرِ شَهْوَةُ الْإِعْرَاضِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ ثُمَّ لَا يَلْبَثُ أَن يصير ملكة فِي النَّفْسِ لَا تَقْدِرُ عَلَى خلعه وَلَا تَغْيِيره.

وَإِطْلَاقُ الْحِجَابِ عَلَى مَا يَصْلُحُ لِلْمَعْنَيَيْنِ إِمَّا للْحَمْل عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِمَّا لِلْحَمْلِ عَلَى مَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت: ٥] .

وَلَمَّا كَانَ إِنْكَارُهُمُ الْبَعْثَ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي اسْتَبْعَدُوا بِهِ دَعْوَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى زَعَمُوا أَنَّهُ يَقُولُ مُحَالًا إِذْ يُخْبِرُ بِإِعَادَةِ الْخَلْقِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ [سبأ:

٧- ٨] اسْتَحْضَرُوا فِي هَذَا الْكَلَامِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولَةِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى عِلَّةِ جَعْلِ ذَلِكَ الْحِجَابِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَلِذَلِكَ قَالَ: وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.