مِنْ هَذَا الْمَثَلِ وَمَنْ غَيْرِهِ فِيمَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ شَاعِرٌ، هُوَ كَاهِنٌ، هُوَ مَجْنُونٌ، هُوَ سَاحِرٌ، هُوَ مَسْحُورٌ. وَسُمِّيَتْ أَمْثَالًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا فِيمَا يَصِفُونَهُ بِهِ لِلنَّاسِ لِئَلَّا يعتقدوه نبيئا، فَجَعَلُوا يَتَطَلَّبُونَ أَشْبَهَ الْأَحْوَالِ بِحَالِهِ فِي خيالهم فيلحقونه بِهِ، كَمَنْ يُدْرَجُ فَرْدًا غَرِيبًا فِي أَشْبَهِ الْأَجْنَاسِ بِهِ، كَمَنْ يَقُولُ فِي
الزَّرَافَةِ: إِنَّهَا مِنَ الْأَفْرَاسِ أَو من الْإِبِلِ أَوْ مِنَ الْبَقَرِ.
وَفُرِّعَ ضَلَالُهُمْ عَلَى ضَرْبِ أَمْثَالِهِمْ لِأَنَّ مَا ضَرَبُوهُ مِنَ الْأَمْثَالِ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ وَقُوَّةٌ فِي الْكُفْرِ. فَالْمُرَادُ تَفْرِيعُ ضَلَالِهِمُ الْخَاصِّ بِبُطْلَانِ تِلْكَ الْأَمْثَالِ، أَيْ فَظَهَرَ ضَلَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا [الْقَمَر: ٩] .
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالضَّلَالِ هُنَا أَصْلُ مَعْنَاهُ، وَهُوَ الْحَيْرَةُ فِي الطَّرِيقِ وَعَدَمُ الِاهْتِدَاءِ، أَيْ ضَرَبُوا لَكَ أَشْبَاهًا كَثِيرَةً لِأَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا فِيمَا يَعْتَذِرُونَ بِهِ عَنْ شَأْنِكِ الْعَظِيمِ.
وَتَفْرِيعُ فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا عَلَى فَضَلُّوا تَفْرِيعٌ لِتَوَغُّلِهِمْ فِي الْحَيْرَةِ عَلَى ضَلَالِهِمْ فِي ضَرْبِ تِلْكَ الْأَمْثَالِ.
وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ، وَاسْتِطَاعَتُهُ اسْتِطَاعَةُ الظَّفَرِ بِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّبِيلِ سَبِيلُ الْهُدَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي تَفْسِيرِ الضَّلَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا لِحَالِ ضَلَالِهِمْ بِحَالِ الَّذِي وَقَفَ فِي فَيْفَاءَ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّةِ جِهَةٍ يَسْلُكُ إِلَى الْمَقْصُودِ، عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الضَّلَالِ.
وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: أَنَّهُمْ تَحَيَّرُوا كَيْفَ يَصِفُونَ حَالَكَ لِلنَّاسِ لِتَوَقُّعِهِمْ أَنَّ النَّاسَ يُكَذِّبُونَهُمْ، فَلِذَلِكَ جَعَلُوا يَنْتَقِلُونَ فِي وَصْفِهِ مِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ لِاسْتِشْعَارِهِمْ أَنَّ مَا يَصِفُونَهُ بِهِ بَاطِلٌ لَا يطابقه الْوَاقِع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute