يَجْعَل مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَإِثْبَاتَ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ مِنَ الْبَشَرِ، فَمِنْهُمْ رَسُولٌ وَمِنْهُمْ مُرْسَلٌ إِلَيْهِمْ، وَإِثْبَاتَ التَّفَاضُلِ بَيْنَ أَفْرَادِ الصِّنْفِ الْفَاضِلِ. وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى تَقَرُّرًا لَا يَسْتَطِيعُ إِنْكَارَهُ إِلَّا مُكَابِرٌ بِالتَّفَاضُلِ حَتَّى بَيْنَ الْأَفْضَلَيْنِ سُنَّةٌ إِلَهِيَّةٌ مُقَرَّرَةٌ لَا نُكْرَانَ لَهَا. فَعُلِمَ أَنَّ طعنهم فِي نبوءة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعْنُ مُكَابَرَةٍ وَحَسَدٍ. كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْيَهُودِ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فِي سُورَةِ النِّسَاء [٥٤] .
وَتَخْصِيص دَاوُود- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالذِّكْرِ عَقِبَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْعَامَّةِ وَجَّهَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّ فَائِدَةَ التَّلْمِيحِ إِلَى أَن مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَّتَهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ لِأَنَّ فِي الزَّبُورِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادُ اللَّهِ الصَّالِحُونَ. وَهَذَا حَسَنٌ. وَأَنَا أَرَى أَنْ يَكُونَ وَجْهُ هَذَا التَّخْصِيصِ الْإِيمَاءَ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْوَالِ الْمَرْمُوقَةِ فِي نَظَرِ الْجَاهِلِينَ وَقَاصِرِي الْأَنْظَارِ بِنَظَرِ الْغَضَاضَةِ هِيَ أَحْوَالٌ لَا تَعُوقُ أَصْحَابَهَا عَنِ الصُّعُودِ فِي مَدَارِجِ الْكَمَالِ الَّتِي اصْطَفَاهَا اللَّهُ لَهَا، وَأَن التَّفْضِيل بالنبوءة وَالرِّسَالَةِ لَا يَنْشَأُ عَنْ عَظَمَةٍ سَابِقَة فَإِن دَاوُود- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ رَاعِيًا مِنْ رُعَاةِ الْغَنَمِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ ذَا قُوَّةٍ فِي الرَّمْيِ بِالْحَجَرِ، فَأَمَرَ اللَّهُ شَاوُلَ مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَن يخْتَار دَاوُود لِمُحَارَبَةِ جَالُوتَ الْكَنْعَانِيِّ، فَلَمَّا قتل دَاوُود جَالُوتَ آتَاهُ الله النبوءة وصيره ملكا لإسرائيل، فَهُوَ النَّبِيءُ الَّذِي تَجَلَّى فِيهِ اصْطِفَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا عَظَمَةٍ وَسِيَادَةٍ.
وَذِكْرُ إِيتَائِهِ الزَّبُورَ هُوَ مَحَلُّ التَّعْرِيضِ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَرِثُونَ أَرْضَهُمْ وَيَنْتَصِرُونَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْتُوبٌ فِي الزَّبُورِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَقد أُوتِيَ دَاوُود الزَّبُورَ وَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كِتَابًا بَعْدَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَام-.
وَذكر دَاوُود تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَفِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute