للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا التَّفْضِيلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَالْمُرَادُ بِهِ التَّفْضِيلُ الْمُشَاهَدُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِامْتِنَانِ. وَذَلِكَ الَّذِي جِمَاعُهُ تَمْكِينُ الْإِنْسَانِ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِيَّةِ بِرَأْيِهِ وَحِيلَتِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ تَفْضِيلًا عَلَى الْبَقِيَّةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِيمِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فَالتَّكْرِيمُ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى تَكْرِيمِهِ فِي ذَاتِهِ، وَالتَّفْضِيلُ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى تَشْرِيفِهِ فَوْقَ غَيْرِهِ، عَلَى أَنَّهُ فَضَّلَهُ بِالْعَقْلِ الَّذِي بِهِ استصلاح شؤونه وَدَفْعُ الْأَضْرَارِ عَنْهُ وَبِأَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ، هَذَا هُوَ التَّفْضِيلُ الْمُرَادُ.

وَأَمَّا نِسْبَةُ التَّفَاضُلِ بَيْنَ نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَأَنْوَاعٍ من الموجودات الْخفية عَنَّا كَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنّ فَلَيْسَتْ بمقصودة هُنَا وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِأَدِلَّةٍ تَوْقِيفِيَّةٍ مِنْ قِبَلِ الشَّرِيعَةِ. فَلَا تُفْرَضُ هُنَا

مَسْأَلَةُ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُخْتَلَفِ فِي تَفَاصِيلِهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ. وَقَدْ فَرَضَهَا الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا عَلَى عَادَتِهِ مِنْ التَّحَكُّكِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالتَّعَسُّفِ لِإِرْغَامِ الْقُرْآنِ عَلَى تَأْيِيدِ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ تَجَاوَزَ حَدَّ الْأَدَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَاسْتَوْجَبَ الْغَضَاضَةَ وَالْمَلَامَ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ إِقْحَامَ لَفْظِ كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا مُرَاد مِنْهُ التَّقْيِيد وَالِاحْتِرَازُ وَالتَّعْلِيمُ الَّذِي لَا غُرُورَ فِيهِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ ثَمَّ مَخْلُوقَاتٍ غَيْرَ مُفَضَّلٍ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ تَكُونُ مُسَاوِيَةً أَوْ أَفْضَلَ إِجْمَالًا أَوْ تَفْصِيلًا، وَتَبْيِينُهُ يُتَلَقَّى مِنَ الشَّرِيعَةِ فِيمَا بَيَّنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا سَكَتَتْ فَلَا نَبْحَثُ عَنْهُ.

وَالْإِتْيَانُ بِالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْلِهِ: تَفْضِيلًا لِإِفَادَةِ مَا فِي التَّنْكِيرِ مِنَ التَّعْظِيمِ، أَيْ تَفْضِيلًا كَبِيرًا