للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ، كَمَا فِي آيَةِ الْحَاقَّةِ [٢٥] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ.

وَالْإِتْيَانُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَعْدَ فَاءِ جَوَابِ (أَمَّا) ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ دون غَيرهم يقرؤون كِتَابَهُمْ، لِأَنَّ فِي اطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْجَزَاءِ عَلَيْهِ مَسَرَّةً لَهُمْ وَنَعِيمًا بِتَذَكُّرِ

وَمَعْرِفَةِ ثَوَابِهِ، وَذَلِكَ شَأْنُ كُلِّ صَحِيفَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى مَا يَسُرُّ وَعَلَى تَذَكُّرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، كَمَا يُطَالِعُ الْمَرْءُ أَخْبَارَ سَلَامَةِ أَحِبَّائِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَرَفَاهَةِ حَالِهِمْ، فَتَوَفُّرُ الرَّغْبَةِ فِي قِرَاءَةِ أَمْثَالِ هَذِهِ الْكُتُبِ شِنْشِنَةٌ مَعْرُوفَةٌ.

وَأَمَّا الْفَرِيقُ الْآخَرُ فَسَكَتَ عَنْ قِرَاءَةِ كِتَابِهِمْ هُنَا. وَوَرَدَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الْإِسْرَاء: ١٣- ١٤] .

وَالظُّلْمُ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا بِمَعْنَى النَّقْصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الْكَهْف: ٣٣] ، لِأَنَّ غَالِبَ الظُّلْمِ يَكُونُ بِانْتِزَاعِ بَعْضِ مَا عِنْدَ الْمَظْلُومِ فَلَزِمَهُ النُّقْصَانُ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ مَجَازًا مُرْسَلًا. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يُعْطَاهُ مِنَ الْجَزَاءِ مِمَّا يَرْغَبُ النَّاسُ فِي ازْدِيَادِهِ.

وَالْفَتِيلُ: شِبْهُ الْخَيْطِ تَكُونُ فِي شَقِّ النَّوَاةِ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٤٩] ، وَهُوَ مَثَلٌ لِلشَّيْءِ الْحَقِيرِ التَّافِهِ، أَيْ لَا يَنْقُصُونَ شَيْئًا وَلَوْ قَلِيلًا جِدًّا.

وَعَطْفُ وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى عَطْفُ الْقَسِيمِ عَلَى قَسِيمِهِ فَهُوَ من حَيِّزِ «أَمَّا» التَّفْصِيلِيَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَأَمَّا من كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى، وَلَمَّا كَانَ الْقَسِيمُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُمْ مَنْ أُوتُوا كِتَابَهُمْ بِالْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِضِدِّ ذَلِكَ يُؤْتَى