وَالْإِقَامَةُ: مَجَازٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ وَالْإِدَامَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٣] .
وَاللَّامُ فِي لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لَامُ التَّوْقِيتِ، وَهِيَ بِمَعْنَى (عِنْدَ) .
وَالدُّلُوكُ: مِنْ أَحْوَالِ الشَّمْسِ، فَوَرَدَ بِمَعْنَى زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ قَوْسٍ فَرْضِيٍّ فِي طَرِيقِ مَسِيرِهَا الْيَوْمِيِّ. وَوَرَدَ بِمَعْنَى: مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ مِقْدَارِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْقَوْسِ وَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَوَرَدَ بِمَعْنَى غُرُوبِهَا، فَصَارَ لَفْظُ الدُّلُوكِ مُشْتَرَكًا فِي الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ.
وَالْغَسَقُ: الظُّلْمَةُ، وَهِيَ انْقِطَاعُ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ حِينَ يُمَاثِلُ سَوَادُ أُفُقِ الْغُرُوبِ سَوَادَ بَقِيَّةِ الْأُفُقِ وَهُوَ وَقْتُ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، وَذَلِكَ وَقْتَ الْعَشَاءِ، وَيُسَمَّى الْعَتَمَةَ، أَيِ الظُّلْمَةَ.
وَقَدْ جَمَعَتِ الْآيَةُ أَوْقَاتًا أَرْبَعَةً، فَالدُّلُوكُ يَجْمَعُ ثَلَاثَةَ أَوْقَاتٍ بِاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ، وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ. وَفُهِمَ مِنْ حَرْفِ (إِلَى) الَّذِي لِلِانْتِهَاءِ أَنَّ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ صَلَوَاتٍ لِأَنَّ الْغَايَةَ كَانَتْ لِفِعْلِ أَقِمِ الصَّلاةَ فَالْغَايَةُ تَقْتَضِي تَكَرُّرَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ غَايَةَ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ جَعَلَ وَقْتَهَا مُتَّسِعًا، لِأَنَّ هَذَا فَهْمٌ يَنْبُو عَنْهُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ مِنْ وُجُوبِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَوِ الْأَكْمَلُ. وَقَدْ زَادَ عمل النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِلْآيَةِ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ الِاتِّسَاعِ فَيُعْرَفُ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْفُقَهَاءِ. فَكَلِمَةُ «دُلُوكٍ» لَا تُعَادِلُهَا كَلِمَةٌ أُخْرَى.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي «الْمُوَطَّأِ» : أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا فِي «الْمُوَطَّأِ» وَمَوْصُولًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ لِلصُّبْحِ وَقْتًا لَهُ ابْتِدَاءٌ وَنِهَايَةٌ. وَهُوَ أَيْضًا ثَابِتٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِآثَارٍ كَثِيرَةٍ عَدَا الْمَغْرِبِ فَقَدْ سَكَتَ عَنْهَا الْأَثَرُ. فَتَرَدَّدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute